31 Dec 2020

المرأة مرحاض!

 يمكن الإستماع لهذا المقال هنا

https://www.youtube.com/watch?v=e0RKUvMVH90&t=20s

يقال أن السمكة لا تدري أنها تعيش بالماء، كيف لها أن تدرك ذلك، هي ولدت بالماء، لم تعرف شيئاً سوى الماء

كذلك المرأة في المجتمع الذكوري، لم تعرف شيئاً في حياتها سوى مجتمعها الذي يضطهدها ويعتبرها مواطناً من الدرجة الثانية لذا فهي لا تدرك مدى القمع الذي تعيش فيه لأنها لم تجرّب حياة أخرى، لم تعرف واقع آخر

كلٍ من الذكر و الأنثى في المجتمعات العربية المسلمة القاهرة للمرأة يتم تعليمهم منذ الصغر اضطهاد المرأة وتحقيرها، منذ مرحلة دراسية مبكرة يتم تعليمهم أن رسولهم قال " لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا"، و"النساء ناقصات عقل ودين"، وإذا مرّت امرأة، أو حمار، أو كلب أسود برجل يصلي بطلت صلاته، وغيرها الكثير من بخس حق المرأة في الميراث، وحق الزوج بالضرب، وعقد الزواج على الصغيرات، كيف لا و نبيهم يضاجع الصغيرة ذات التسع سنوات، و إذا حاججتهم أو ناقشتهم، غضبوا و صرخوا و قالوا عقد عليها لكن لم يدخل بها، فدينهم الحنيف الذي "كرّم المرأة" على حد قولهم يجيز بالعقد على الصغيرة الجاهلة التي لا تميّز

أما بالنسبة لِ "لن يفلح قوم ولّو أمرهم امرأة"

فلن يتم تعليم المسلم في المدارس أنه في جامعة هارفرد، من أفضل الجامعات عالمياً، يتم تدريس طلبة العلوم السياسية أسلوب الرئيسة الألمانية آنجيلا ميركيل في الحكم، وأسلوب الرئيسة النيوزلنية جاسيندا أرديرن في الرئاسة، لما حققنه هاتان المرأتان العظيمتان من نجاح سياسي، اقتصادي، اجتماعي، ومستوى معيشي رفيع، وقضاءهن على الفساد، وارتقاءهن بالصحة، والتعليم، والثقافة، وارتفاع مستوى الرفاهية، مع العلم أن جاسيندا آرديرن تبلغ فقط أربعين عاما وقد تولت رئاسة "نيوزلندا" عندما كانت في السادسة والثلاثين.

كيف لا يُنظر للمرأة باحتقار ومن يسمون أنفسهم "شيوخ، وعلماء، وفقهاء في الدين" يستهزؤون ويحقّرون المرأة بشكل مستمر على التلفاز ووسائل الميديا

لازلت أتذكر صدمتي عندما شاهدت حلقة من حلقات محمد العوضي وهو يشبه المرأة بالمرحاض. كان الدكتور يستهزئ و يسخر من النسويات نوال السعداوي، و فاطمة المرنيسي، و قبلهن النسوية حسنة بيجوم عندما طرحن سؤال، لماذا لا يحق للمرأة التعدد بينما يحق للرجل ذلك. بعد أن انتهى العوضي من الاستهزاء بالنسويات، قال أنه عندما سؤل الشعراوي لماذا لا تعدد المرأة قال الشعراوي "دي ما تبآش مرأة، دي تبأه مرحاض"! استغربت من العوضي اقتباسه لهذا التشبيه القذر المنحط، في برنامجه الذي يعتبر برنامج أسري و يبث في رمضان. تشبيه المرأة التي تعاشر أكثر من رجل بالمرحاض تشبيه غريب وغبي، يمكن للمرحاض أن يكون عمومي، و يمكنه ان يكون مخصص لشخص واحد فقط في بيته لا يستخدمه أحد سواه، فهل المتزوجة من واحد مرحاض، هل شهوة الرجل الجنسية قذارة. ما علاقة التعدد هنا؟ إذا كان الشعراوي و العوضي يرون أن المرأة التي تعاشر أكثر من رجل واحد هي مرحاض، إذاً الرجل الذي يعدد يذهب لمراحيضه الأربعة أو الثلاثة أو الإثنان، بل إذا كانت المرأة مرحاض إذا فالذكر كل مرّة يعاشر زوجته فهو يفرّغ شهوته القذرة بمرحاضه الخاص. تشييء المرأة أمر عادي و مقبول جداً عند المتدينين يمارسونه بكل أريحية، المرأة التي تمارس الجنس مرحاض، و المرأة الغير محجبة حلوى غير مغلّفة يتناولها النمل و الذبّاب، و المرأة المحجبة يجب أن تغلّف بالعباءة لأنها كالدرة الثمينة التي يجب أن توضع بعلبة مجوهرات و يقفل عليها، والفتاة التي تتعرف على شاب كبريت مستعمل يجب أن يرمى فلا يمكن إعادة اشعاله، وغيرها من التشبيهات المهينة التي يتداولها الذكر باستمرار في المجتمعات العربية المسلمة لتخويف المرأة وللاستمرار بالتحكم بها، فالمرأة بالنسبة للذكر المتديّن مجرّد شيء. ولا أستغرب إن كان شيوخ الدين يرون زوجاتهم مراحيض.

في حلقة أخرى خصصها العوضي للسخرية من النسويات اللاتي يسألن لماذا لا تعدد المرأة، فرجال الدين لا يملون الحديث عن المرأة، شغلهم الشاغل المرأة وما لا يجوز لها فعله و قوله و طرحه للنقاش، وبالتالي تخصص حلقات وليس فقط حلقة، وفي هذه الحلقة يذكر امرأة تدعى "ٌقرّة العين" دعمها البهائيون في القرن الخامس عشر، و قد نادت "قرّة العين" في عام 1480 لأن يكون للمرأة عدّة أزواج و اقترحت تسعة. ضحك العوضي ضحكة ساخرة مليئة بالغطرسة وهو يقول "هه! كل واحد من التسعة يأخذا جزء، أحدهم يأخذ ذراع، وأحدهم يأخذ رجل، وهكذا"، ولِمَ لا تنطبق ذات النكتة على الذكر الذي يعدد في الزوجات، فيقال "هه! كل واحدة من زوجاته تأخذ جزء"

 العوضي يدعي أن النسويات العربيات أخذن أفكارهن من الغرب، ثم يقتبس ما يوافق رأيه من مفكرين غربيين، فيذكر كاتبة انجليزية تؤكد أن هناك فروقات كثيرة بين عقل المرأة و الرجل وبالتالي لا يمكن أن تتحقق المساواة بينهم، بداية لا أدري متى نُشر هذا الكتاب للمؤلفة الإنجليزية فوفقاً للعلم الحديث لا فرق بين عقل المرأة والرجل، والعلم بطبيعته يتطوّر. وثانياً لا يوجد أي أهمية للتشابه العقلي بين الرجل والمرأة، ليحق لهما التساوي في الحقوق والحريات. ثم يقتبس العوضي من سياسي أمريكي جمهوري محافظ ينادي بإعادة المرأة لدورها الأصلي في البيت، لكن لا نعلم إن كان هذا الكاتب الأمريكي مدعوم من قبل الكنيسة أو مؤسسة دينية أخرى، فالجمهوريون مسيحيون متدينون في الولايات المتحدة، والدين المسيحي واليهودي كالإسلام في تقييدهم وقمعهم للمرأة. ثم لماذا يقبّح رجال الدين كل فِكر غربي، ثم يبحثون في الكتب الغربية عن سطور يدعمون فيها أحكامهم الظالمة على المرأة؟ هل لأنهم خاضعون لفكرة أن الغرب أفضل منهم في العلم والثقافة؟ هل لأنهم يعلمون أن حججهم ضعيفة مالم يجدون لها دليل لدى الغرب؟ ثم يقتبس العوضي من الكاتب عباس العقاد الذي يدعي أن المرأة لم تفلح في أي مجال في الحياة مثل ما فلح الذكر، ثم يقتبس من الكاتب مصطفى الرافعي حين شبّه المرأة بالحيّة السامة. ويضيف العوضي "احذروا السم النسائي" في ختامه للحلقة

الحلقتان التي أتكلم عنهما موجودتان على "يوتيوب" لمن يريد مشاهدتهما. واحدة بعنوان: محمد العوضي، قذائف، المرأة والعلمانية. والأخرى محمد العوضي "بيني و بينكم" تعدد الأزواج عند النساء، حلقة رقم 21 ، عام 2004 

كيف لا يحتقر الذكر المرأة والمتحدثين عن الدين لا يكفون عن تشبيهها بالمرحاض والحيّة السامة. بالتأكيد هناك كلام أفظع وأبشع يتداوله فقهاء الدين عبر حلقاتهم وكتبهم وعبر السوشال ميديا لا أستطيع مشاهدته أو قراءته لمدى بشاعته. وبالتأكيد يتأثر المجتمع بما يتلّفظ به هؤلاء من بشاعات، فيتعلم الطفل الصغير احتقار المرأة و تتعلم الفتاة الصغيرة احتقار ذاتها. لكن لا أرى هؤلاء الشيوخ يتحدثون عن العنف الذي يمارسه الذكر المسلم على المرأة المسلمة، لا أراهم يستنكرون العنف النفسي والجسدي، والعقلي، والجنسي الذي يمارس على المرأة، لا يتكلمون عن الإجبار على الحجاب، والنقاب، و العباءة، لا يتكلمون عن انتشار قتل الشرف في الدول العربية المسلمة، لا يحذرون الذكر من العقاب، لا يستنكرون عنفه و جرمه. لا يلومون الزوج الذي يقول أن من حقه السفر إلى تايلند، و المغرب، و دبي، و غيرها من البلدان المشهورة بالدعارة ليسكر ويمارس الجنس مع من يشاء، لا أراهم يوظفون حلقة تلفزيونية (كما يخصصون حلقات عن المرأة) ليستنكرون الموضة الحديثة المنتشرة لدى العربي المسلم الذي لديه زوجة و لديه أيضاً حبيبة، زوجته مجرد مرحاض له و لتربية أولاده، أما العشيقه فليعيش معها قصة غرامية رومانسية

وفي احدى حلقاته، تعرّض العوضي لضرب الزوج لزوجته على عجالة وبكلمات قليلة جداً (في حلقة عنوانها استغلال المرأة، حلقة رقم 3) برنامج "وياكم" وهي موجودة أيضاً على يويتيوب، و مؤرخة بتاريخ 15 يوليو 2013) تكلم بشكل عام وقال أن الضرب له ضوابط، أي عدم الضرب باليد بل بالسواك، و لا يجوز للزوج ضرب زوجته إلا إذا نشزت، ثم قال، كان لابد السماح بالضرب، فالعرب يفعلون ما هو أشد من الضرب، مشيراً للقتل، وبالتالي السماح بالضرب رحمة للمرأة، موضحاً أن الضرب بديل عن القتل

لا أظن أنه سيخصص حلقة للحديث عن ضرب الذكر الناشز، أو الذكر الخائن، لم يحدد الدين الإسلامي كيفية ضرب الذكر الذي يقتل المرأة، أو يعنفها، أو يهينها. ترى؟ من يضرب الذكر ويؤدبه عندما يخرج ويمارس الرذائل، ويسافر ليسكر ويمارس القوادة ويقول أنه حر لأنه رجل. وحتى لو واجهنا هؤلاء الفقهاء بما يفعله الذكر المسلم بالمرأة فسيسردون كلام إنشائي بأن هذه حالات نادرة شاذة، وسيكررون كلام عاطفي عن أهمية لين الرجل مع المرأة و سيرددون كلام نبيّهم "رفقاً بالقوارير" لنعود لتشييء المرأة، فهي مجرّد قارورة مصنوعة من فخاّر يسهل كسرها

لن يعترف هؤلاء أن الحقيقة هي أن الدين فشل في تأديب الذكر، لن يعترفوا أبداً ان انتشار قتل الشرف في الدول العربية المسلمة هو دليل قاطع أن الدين الإسلامي فشل في تأديب الذكر العربي المسلم

في الحلقات التي ذكرتها يسفّه العوضي النسويات ويدعي بأن اعتراضهن على معاملة الدين للمرأة ليس لأن الدين بخس حق المرأة، بل لأنهن مررن بتجارب حياتية قاسية، ونتيجة لما تعرضن له من عنف أو تحقير من رجال في حياتهن الخاصة، ونتيجة لهذه التجارب القاسية غضبن على المجتمع، وثرنَ على الدين بالرغم أن المشكلة ليست بالدين بل بالأعراف والتقاليد الخاطئة التي يمارسها المجتمع على المرأة وبسبب بعض الذكور الذين يسيئون للمرأة. يكرر العوضي في كلامه هذا ما يقوله كل ذكوري عندما يتهم امرأة نسوية أنها "معقدة" بأن المشكلة ليست بالرجال، والمشكلة ليست بالمجتمع العربي المسلم، بل بعقدة حصلت لها هي فقط بسبب أب، أخ أو زوج سيّء. كذلك، عندما يقول العوضي أن المشكلة بالأعراف و بالمجتمع وليست في الدين، فهذا ليس إلاّ إثبات أن الدين فشل في تهذيب المجتمع وفشل بالقضاء على أعرافه الحاطّة للمرأة، وفشل في تهذيب الذكر العربي المسلم. أما تحدّث النسويات عن حياتهن الخاصة والمواقف المساسوجينية التي مررن بها في حياتهن، ووضع أمثله لها في كتبهن كحجج ضد ذكورية المجتمع والدين، فهذا هو تماماً التمرّد الذي تحتاجه المرأة في مجتمعها الذكوري، ملايين النساء اليوم يتحدثن عمّا يمارسه عليهن الأب، والأخ، والزوج من تسلّط واضطهاد عبر السوشال ميديا، لا مجال لإخفاء الحقيقة بعد الآن، أن الضرر يقع من كل الرجال وعلى كل النساء على حد السواء، لا مجال للإستمرار بالكذبة أن قمع و تعنيف المرأة العربية المسلمة حالة شاذة، بل احترام الرجل للمرأة هو الحالة الشاذة النادرة،. لن يتغيّر الحال إلاّ إذا استمرت ملايين النساء بفضح الذكر العربي المسلم العنيف، فأوّل خطوة لحل المشكلة هو الحديث عنها، وإزالة غطاء السرّية عنها، فالكثير من النساء لم يعدن يخضعن للإسكات والإرغام على الصمت، نوال السعداوي، وفاطمة المرنيسي، ومنى الطهاوي التي تحدثت عماّ تعرضت له من تحرّش جنسي أثناء طوافها حول الكعبة مهدن الطريق لكنهن لسن حالة شاذة بل ملايين النساء يتعرّضن في كل يوم للتهميش والاضطهاد. والأديان ليست سوى كذبة من صنع الذكر وضعها فقط للتحكم بالمرأة وتقييدها.