15 Dec 2020

لم تخلق المرأة لخدمة الذكر

: يمكن الإستماع لهذه المقالة هنا

https://www.youtube.com/watch?v=Qf1w2H-CQH0&t=5s

أخذت ورشة عمل في كتابة القصة القصيرة وبسبب فايروس كورونا صار معلمنا "ماثيو" يلتقي بنا (أون لاين) عبر برنامج "زوم"، اعتبرتها فرصة، سأرى حياة زملائي الكتاب عن قرب، سأرى بيوتهم من الداخل، ترى؟ ما هو ذوقهم في الديكور، كيف يعيشون، وكيف يتعاملون مع أفراد أسرتهم.

زميلتي "شانون" تعمل في برمجة الكمبيوتر، ولأن ورشة عملنا تبدأ في السادسة مساءً، تكون "شانون" للتو قد عادت من العمل، كنّا نستعد لبدء ورشة العمل ننتظر فقط تسجيل دخول أحد أعضاء النادي لكي نبدأ، فقالت "شانون" أنها سعيدة هذا المساء لأن زوجها "نيكولاس" يجهز لها عشاءها المفضّل. وبعد دقيقة ظهر "نيكولاس" يحمل طبق "شانون" وضعه أمامها، و لوّح لنا جميعاً عبر شاشة الكمبيوتر مبتسماً، ثم سأل زوجته ماذا تريد أن تشرب مع طعامها و لما أجابته، قال لها "حاااضر" بلطف و بصوت مبتسم و ذهب ليحضر لها ما طلبته، و جاء بكأس ووضع قبلة على خد زوجته و رحل، لتركز "شانون" على هوايتها بالكتابة.

الموقف كان عادياً جداً بالنسبة لزملائي الأمريكيون نساءً ورجال، لكن بالنسبة لي لم أصدّق مدى لطف و رقّة "نيكولاس" مع زوجته "شانون" كيف كان عادياً بالنسبة له أن يخدم زوجته، كيف أنه حضّر لها طبقها المفضل، وأحضره لها بكل حب و لطف وسعادة.

الموقف أشعرني بالسعادة و بالحزن، سعدت لأن هناك رجالاً يعبرون عن حبهم لزوجاتهم بهذا القدر من الدفء والاهتمام و التقدير، زوجته تحضر ورشة عمل في الكتابة لأنها تحب الكتابة، وهو يريدها أن تمارس هوايتها التي تحب، لأنه يحبها و يفرح عندما تكون زوجته سعيدة، ولأن ورشة عملها تبدأ بمجرّد رجوعها من العمل، يستطيع هو كزوج، وكصديق، وكحبيب أن يساهم في تسهيل يومها وتسهيل تركيزها على ورشة الكتابة بأن يحضّر لها وجبة، حتى لا تكون جائعة طوال الورشة التي تبلغ مدتها ساعتين، وحتى تستمتع بالورشة وتحقق هدفها بالإبداع والكتابة.

وحزنت، حزنت لأنني ولدت في مجتمع حيث المرأة تخدم الرجل والرجل يعتبر خدمة المرأة له حق من حقوقه فقط لأنه ولد ذكر، يأمرها ويصرخ عليها بإحضار هذا وتجهيز ذاك، ويحاسبها لماذا تأخر الغداء، لماذا حُضّر هذا الطبق دون ذاك، وإذا لم يعجبه الأكل، سخر، وسخط، وصرخ، وغضب.

حزنت عندما تذكرت طليقي الذي كان يظن أنه تزوّج من خادمة، خلقت فقط لخدمته، من دون أي شكر أو تقدير من دون أي كلمة طيبة أو مساعدة أو مساهمة منه.

حزنت عندما تذكرت البيت الذي تربيت به، والدي يدخل المنزل غاضباً بعد رجوعه من العمل بالرغم أنه يعمل حتى الثانية ظهراً فقط، و بمجرّد دخوله المنزل يبدأ بالصراخ ضعي الطعام، احضري هذا، أين ذاك، لا ينطق باسم والدتي لقلة احترامه لها، فقط ينادي "أين أنتيِ هيا ضعي الطعام"  أو "أنتِ لماذا لم تحضري الشاي؟" ولو تأخر شيء سخط ، وغضب، و لام، و تلفّظ بأسوأ الكلام. أو عندما يقيم وليمة لأعمامنا أو لأصحابه ونتراكض نحن الفتيات مع الخادمات بالأطباق طوال اليوم كأننا عبيد، لا نسمع حتى كلمة بسيطة من الشكر، فقط احضري هذا واحضري ذاك، ولماذا تأخر هذا ولماذا تأخر ذاك، بينما هؤلاء الذكور تنتفخ كروشهم أكثرو أكثر. في المجتمعات الذكورية يتم تعويد الذكر على العنجهية والنرجسية، يتم برمجته أن المرأة خلقت لإجابة كل طلباتها، فالأم تدلل ابنها الذكر وتنفذ له طلباته، و تعلّم ابنتها على إجابة كل طلبات أخيها، وهناك الخادمة التي تنفذ طلباته إذا كانت الأم أو الأخت غائبة، فيكبر الذكر وهو يرى المرأة تتراكض لإجابة كل رغباته، فيترسخ في ذهنه أن المرأة خلقت فقط لاشباع حاجاته، يرى والده يتأمر على والدته من غير كلمة "لو سمحت" أو "شكراً" أو "سلمت يداكِ"، فيترسخ في ذهنه أن هذا امتياز من امتيازاته لأنه ولد ذكر، فيعامل زوجته بذات المهانة التي رأى أبوه يعامل أمه بها.

 

في شهر سبتمبر الماضي كنت أتابع تزكية الرئيس الأمريكي للقاضية "أيمي باريت" لتكون عضوة في المجلس الأعلى للقضاء، وهو منصب حساس وجوهري وأعلى درجة قضائية في الولايات المتحدة، وأيمي باريت ليست المرأة الأولى في المجلس الأعلى للقضاء بل سبقتها خمسة نساء لهاذا المنصب. وقد حضرت القاضية "أيمي" حفل تزكيتها مع زوجها المحامي "جيسي" وأطفالهم الخمسة، وقد نبنت أيمي مع زوجها "جيسي" طفلان من أطفالهم، أما الثلاثة الباقون فمن صلبهم. بالرغم أنني أختلف مع القاضية "إيمي باريت" في بعض النقاط السياسية فتوجهها جمهوري بينما توجهي ليبرالي، شعرت بسعادة و أنا أشاهدها تقبل التزكية وتقدم كلمة شكر، و بعد أن تحدثت عن أهمية الدور الذي ستقوم به و ثقل المسؤولية القضائية التي ستحملها، وجهت كلمة شكر لزوجها "جيسي" قالت فيها: "منذ بداية زواجنا اتفقنا أنا و جيسي أن نتحمل أعباء أسرتنا بنسبة متساوية، لكنني أعترف أن جيسي تحمل أكثر مني عبر السنين، الأطفال يفضلون طهيه هو على طهي أمهم، وقد اهتم جيسي بمساعدتهم بأعمالهم المدرسية. منذ زواجنا أي منذ واحد وعشرون سنة يسألني زوجي جيسي في كل صباح "عزيزتي كيف أستطيع أن أجعل يومكِ أسهل؟ فأجيبه "لا شيء"، ومع ذلك يحاول جاهداً في كل يوم أن يزيح عبئاً عنيّ، بالرغم أنه محامٍ و يدير شركة محاماة كبيرة، لكنه يقوم بدوره هذا لأنه زوج وأب رائع و أنا محظوظة جداً" و توجهت الكاميرا لجيسي وهو يبتسم ويصفق لزوجته التي تحتل الآن مركزاً أعلى من مركزه بكثير.

شعرت بشيء غريب، الرجل الذي يفرح لنجاح زوجته، الرجل الذي يفرح بمساعدة زوجته حتى تنجح هي، حتى تصل هي لأعلى منصب، حتى تحقق هي كل أحلامها وطموحاتها، يضحي من أجلها، يشعر أن نجاحها هو نجاحه هو أيضاً، ويرى أن تواجده لخدمتها وخدمة أطفاله، والطهي لأسرته ومساعدة أطفاله بدروسهم يعظمه كرجل، ولا يحط من قدره.

فرحت للقاضية "ايمي باريت" وحزنت لما تعيشه المرأة العربية من قمع، وقهر، وتسفيه، وتحقير، واستغلال من قبل الذكر. فالذكر العربي لا يقبل أبداً أن يرتبط بامرأة أفضل منه، وذات منصب أعلى منه، وما أن وجد الذي أراد الزواج منها ذكية و طامحة بدأ بتحقيرها، وتحطيمها، والسخرية منها، وعرقلة حياتها، لأنه تم تعليمه منذ الصغر أن امتيازه الوحيد كذكر أنه أفضل من المرأة، لذلك لن يقبل أبدأ أن تكون زوجته أفضل منه أو أنجح منه، بل لن يقبل أن تكون على درجة المساواة معه، يريدها وراؤه، يريدها تحته، يتخيّل الذكر العربي أن المرأة لن تحترمه إلا إذا كانت أقل منه، أقل منه درجة علمية، أقل منه بالوظيفة، أقل منه بالراتب، أقل منه بالخبرة الحياتية، وأقل منه من حيث المكانة الاجتماعية، يظن أنها طالما كانت أقل منه فستنظر له دائماً كبطل، أما إذا كانت أعلى منه فستحتقره، يظن ذلك لأنه هو يحتقر كل من هو أقل منه.