16 Jun 2018

ما تبحث عنه


تركب سيارتك الفارهة بعد بضعة أيام من شرائها فلا تٌشعِرُك بما وعدتك به الإعلانات! لكن لا بأس، فقد اشريت ساعة يد تحمل علامة ماركة مشهورة، وستصوّر معصمك على مقود سيارتك، وتضع الصورة في "الإنستغرام" وتكتب: "صباح الخير لليّ رايحين الدوام!" كأنك لم تعني شد انتباه الناظر للساعة! فأنتَ لست ساذجاً، ولستَ عبداً للماركات، ولست مهووساً بالاستهلاك. ومتابعيك سيفعلون ما تريدهم بالضبط أن يفعلون، يتجاهلون حماقتك ويكتبون: "منوّر بو فلان" بالرغم أن الصورة لا تظهر سوى المعصم، وزاوية محددة من مقود السيارة تظهر علامتها التجارية.
تشترين حقيبة بقيمة باهظة صممتها امرأة مشهورة في عالم الأزياء، الحقيبة حسب الإعلانات الدعائية تعدكِ بالتميّز، تزيدين المصممة الغنية ثراء، المصممة المشورة تعاني من الاكتئاب منذ طفولتها، الجميع يتجاهل هذه الحقيقة، وخصوصاً المقربين إليها من أفراد أسرتها، تحملين الحقيبة على كتفِكِ، لحظة واحدة فقط من الشعور بالاكتفاء، تتحوّل إلى ممر طويل مظلم من الضجر والغثيان، عندما تصلين إلى مكان عملكِ فتجدين كل زميلاتك يحملن ذات الحقيبة، أنتِ كذلك تشعرين بالاكتئاب. تشعرين بكره شديد! تكرهين من؟ تكرهين الشنطة التي لم تفي بوعدها بالتميّز؟ أم تكرهين مكان عملكِ؟ أم تكرهين زميلات العمل الاتي يكرسن حياتهن وأموالهن لتقليدك؟ أم؟ أم تكرهين ذاتك؟ المصممة الغنية تزداد اكتئاب، وتنهي حياتها، أنتِ تسمعين الخبر في "السوشال ميديا"، تتثاءبين.. تتسألين ما إذا ستزداد قيمة الحقيبة الآن، بعد أن انتحرت مصممتها؟
تقود مركبتك قاصداً المطعم، في بلد يكتظ بالمطاعم والمقاهي، عدد المطاعم يفوق عدد المكتبات، والمدارس، والجامعات، والمتاحف، ودور الثقافة، والمراكز العلمية، والجمعيات التوعوية مجتمعة. ومع ذلك، تشعر بالملل، شارع تلو شارع من الإعلانات الملوّنة، تعدك بالإشباع، جربتها كلها.. ملل! أطباق من كل أنحاء العالم، ديكورات وتصاميم المطاعم ذات تكلفة خيالية صُمّمت خصيصاً لتشعرك أنك تأكل في اليابان، أو الهند، أو إيطاليا، أو لبنان. وأخرى تقدم أطباق عالمية، تذهب إليها مع مجموعة أصدقاءك عندما لا تستطيعون الاختيار، فكل منكم يفضل نوع مختلف من الطعام. تجلسون على الطاولة معاً لا تجدون ما تتحاورون به، فيلجأ كل منكم لهاتفه لمليء الصمت، والفراغ. تتضورون جوعاً! تُرى متى يصل الطعام؟ تطلبون من النادل الإسراع! وبعد بضعة ملاعق، ها هو الجوع ثانية، غثيان، اشباع جوع الجسد، لا يسد الجوع الآخر، الجوع الأول، الذي دفعك للبحث عن المطعم، ودفعك للبحث عن من يأكل معك لأنك لم ترغب في أن تأكل وحيداً. جوع يشبه ظلمة بئر حالك لا قاع له.
تذهبين لآيكيا، تحتاجين أواني جديدة (لأن الخدامة الله يقطعها كل يوم كاسرة "ماعون"، كل يوم كاسرة "قلاص"!)، تشترين أواني، ثم تتساءلين ما إذا كنتِ بحاجة لِطاولة جديدة؟ فتشترين طاولة، وترين المفروشات، فتتذكرين أنك بحاجة لديباج جديد، بالرغم أن عندك عدّة بطانيات، لكن هذا اللون بالذات جميل ولا تملكين مثله، وتريدين أن تبدين مثقفة أمام ضيوفك فتشترين مكتبة كتب، تعدين نفسك أنك ستملئينها بالكتب، وبما أنكِ ستشترين مكتبة للكتب، فمن الأحرى أيضاً أن تشترين إحدى تلك الأرائِك المضطجعة المخصصة للقراءة، تقررين تحويل إحدى زوايا منزلك إلى "زاوية قراءة"، وبناءً عليه فالأريكة المضطجعة ستحتاج لبضعة وسادات لتجعلها أكثر راحة، ولابد من شراء "أبجورة" طبعاً!، ولكي تكتمل "زاوية القراءة" فلابد من شراء سجادة، وستحتاجين لمجموعة من النباتات البلاستيكية التي تبدو حقيقيةً كي تبدو "زاوية القراءة" أجمل، وبدلاً من كل الأكواب التي تملكينها بالبيت، والتي ضجرتِ منها، أليس من الأفضل أن تشترين هذا الكوب العصري، والأنيق جداً، لأنك بالطبع لن تجلسين في "زاوية القراءة" من دون كوب قهوة عصري بين يديكِ! لا! من الأفضل أن تشترين ستة أكواب بدلاً من كوب واحد، لأنكِ ستدعين صديقاتكِ إلى بيتك، لترتشفن القهوة بالأكواب العصرية، وستريهن "زاوية القراءة". ثم بعد أن اشتريتِ كل شيء، تتذكرين أنكِ توقفتِ عن دعوة الأصدقاء إلى منزلك لأنكِ لا ترغبين ببذل جهد إعداد الشاي والحلويات، وصرتِ تلتقين الأصدقاء في المقاهي فقط! لكن لا بأس ستصوّرين "زاوية القراءة" وستحصلين على عدد كبير من "اللايكات" على "السوشال ميديا".
تذهب إلى المسجد، في بلد مليء بالمساجد، بلد يعاني من تخمة الدين، ومجاعة الحب، والأخلاق، تريد أن تشعر بشيء ما... بالانتماء؟ بوجود خالق عادل؟ خالق يحبك أنت، ويكره جارك؟ خالق يفضّلك أنت على غيرك من المخلوقات؟ يَعِدُكَ بجنة لن يدخلها أعداؤك، جنة مليئة بالنساء العاريات، والخمر، جنة جميلة جداً، بجوار جحيم مخيف جداً يحترق فيه من لا يصلي صلاتك. وأنت في جنتك، أثناء معاشرة نساؤك، تستمتع بصراخ، وبكاء، وعذاب من لم يؤمن بدينك، في الجحيم المجاور، تشتم رائحة شواء.
تذهب للمسجد تودّ لو أنك تستطيع التركيز بما يقوله الإمام، لكن عقلك خليّة نحل، تتزاحم فيها الأفكار الفارغة. تريد أن تشعر بشيء ما، شيء يشبه الطمأنينة، شيء يشبه الاستسلام، شيء يشبه الإيمان! وكم تودّ لو أنك تستطيع التوقف عن النفاق، عن تفاهة الكدمة السوداء التي على جبينك. تود لو كنت شجاعاً بما فيه الكفاية لتعترف بالحقيقة، بأنك بحثت وسألت طويلاً عن مسجد لا يطيل فيه الإمام خطبة الجمعة، لأنك لن تستمع إليه على أيّة حال. تتمنى لو أنك تستطيع البوح، البوح بكل أسرارك الثقيلة المخزية، أنك تخون زوجتك باستمرار، أنك لم تحب أحد قط في حياتك، أنك تتمنى لو أنك لم تنجب كل هؤلاء الأطفال.

ما تبحث عنه غير موجود

ما تبحث عنه غير موجود في أي قائمة طعام

غير موجود في أي من مشترياتك

غير موجود في الجمعيات، ولا الأسواق، ولافي المساجد، ولا في أَسِرّة عشيقاتك، ولا حتى في أعين أبناءك

غير موجود في البلدان الجميلة التي تدفع آلاف الدنانير لزيارتها كل عام، غير موجود في عدد "اللايكات" التي تحصل عليها عندما تضع صور أسفارك، ومغامراتك على مواقع التواصل الاجتماعي

ما تبحث عنه غير موجود في أصوات المطربات، غير موجود في الكتب، ولا الأشعار، ولا في لوحات الفنانين الذي أودوا بحياتهم بحثاً عن المعنى

أهو موجود في المرض يا تُرى؟ أهو موجود في الموت؟ ما تبحث عنه؟ أهو اللا شيء؟



















6 Jun 2018

رسائل لم أرسلها




رسائل كتبتها ومحوتها، ثم كتبتها ومحوتها عدة مرات
رسائل كتبتها في عزّ حزني، وألمي، ووحدتي، وحاجتي

رسائل لم أبعثها لأنني لم أرغب في أن أضايق المرسل إليه/إليها
رسائل لم أرسلها لأنني لا أريد أن أُثقل كاهل أحد بكآبتي وعذابي
رسائل لم أستطع أن أرسلها لأن التألم بصمت أفضل بكثير من صمت من نحب
رسائل لم أرسلها لأن ردودهم الباردة، اللامبالية تتحوّل إلى قبور ضحلة، مليئة بالدود
رسائل لم أرسلها لأن مجاملاتهم أمام ضعفي، تصبح كحبل نجاة معلّق بغصنٍ مكسور
رسائل لم أرسلها لأن قلبي الجائع، المتضوّر جوعاً، سيرضى بأكل أكاذيبهم ونفاقهم

رسائل لم أرسلها، لأنني سبق وأن أرسلت الرسائل:
"مساء الخير، عندك وقت نتكلم اليوم؟ تعبانة حيل"
"مهمومة"
"حزينة"
"يومي كان صعب جداً"

رسائل لم أرسلها لأن ردودهم كانت:
 "ماكو إلاّ العافية"
"لا إنتي قوية"
"توني أشوف الرسالة"
"تتعدل الأمور"

رسائل لن أرسلها، لأنهم لن يكونوا أبداً الأشخاص الذين نتمناهم أن يكونوا




























1 Jun 2018

خاطرة مصوّرة: صديقتي



خاطرتي المصوّرة "صديقتي" مع الموهوب عبدالمحسن خالد على آلة العود

الرابط: صديقتي