22 Feb 2019

انتي وين قاعدة بأمريكا؟



في كل مرّة تُطالب المرأة الكويتية بحريّات وحقوق اجتماعية أكبر: التحرر من سلطة الأب، الزوج، الأخ، حريّة السفر، حريّة التنقل، حريّة اختيار التخصص الدراسي، حريّة اختيار العمل والمهنة، حريّة الزواج من عدمه، حرّية اختيار الزوج، حريّة الزواج من أجنبي، حريّة الانفصال عن الزوج وتطليقه، حريّة الإنجاب من عدمه، حريّة الاحتفاظ بحضانة أبناءها، حريّة الهجرة، حريّة ابراز الهويّة الخاصة بها سواء عن طريق اللباس، أو التوجه الفكري، أو الميل الجنسي، أو ممارسة الهوايات، تجد ردّة فعل الرجل الكويتي كالتالي: "إنتي وين قاعدة بأمريكا؟"

العبارة تعطي انطباع للقارئ وكأن الكويتي يحتقر الثقافة الأمريكية أو ينظر لها نظرة دونية. لكن في الواقع الكويتي يعيش حياة الأمريكي: يركب سيارة أمريكية، يعشق الأكل الأمريكي، يسمع الموسيقى الأمريكية، ينتظر وصول فيلم "آكشن" أمريكي إلى دور السينما بفارغ الصبر، يدرس في أمريكا، يسارع إلى أمريكا طلباً في العلاج، يحب تقليد الأمريكي في اللباس من حيث بنطلون "الجينز"، و"التيشيرت"، و"الكاب" أو القبعة، يتغزل بجمال المطربات والممثلات الأمريكيات، ويُصاحب الفتيات كما يفعل الأمريكي، ويعطي نفسه الحق في مصاحبة الفتيات وملاحقتهم حتى بعد الزواج!

ما يقصده الكويتي عندما يضطهد المرأة بِعبارة: "إنتي وين قاعدة بأمريكا؟" وعادةً ما يرميها بنبرة صوت يملؤها التسفيه والتحقير، هو أنه يحق له هو فقط كرجل أن يعيش وكأنه "قاعد بأمريكا"، أما أمه، أخته، زوجته، ابنته، عشيقته! فعليهن العيش في الكويت، تحت تبعيّته وحسب أهواءه، ويبقين مجرّد تابعات له.

وهناك ازدواجية أخرى يعيشها الرجل الكويتي، فهو يتحرّش بالمرأة في الكويت إن مارست حرّيتها باللباس بحجّة أنها غير محتشمة، فوفقاً لمنطقهُ الذكوري، أي امرأة لا تلبس الحجاب تستحق التحرّش، بل وتبحث عنه، وحجّته في ذلك أنه كرجل لا يستطيع التحكّم بغرائزه، إن هو رأى امرأة غير محجبة فطرياً سيتحرّش بها، وعلى هذا الأساس يُجبِر نساء أسرته (أخته، زوجته، ابنته، وحتى أمه) بالإحتشام، بحجّة أن المرأة المحتشمة لا يتعرّض لها الرجل، بالرغم أن هذا غير صحيح. لكن التناقض يظهرعندما يسافر هذا الرجل إلى الغرب ويدرس مع فتيات يلبسن ملابس قصيرة وضيّقة لا يتجرأ على مضايقتهن، وإن رأى فتاة تلبس "البكيني" على الشاطئ لا يتجرأ على التحرّش بها. يخاف التحرّش بالمرأة الغربية لأن مجتمعها لا يسمح له بممارسة ذكورّيته كما يشاء، كما كان يفعل بالكويت، وسيحملّه المسؤولية كاملة إن هو تعرّض للمرأة وتحرّش بها، ولن يفيده الهراء الذي يردده في الكويت "أنا رجل ولا أستطيع التحكّم بغرائزي، لذلك من واجب المرأة الاحتشام عنّي". بمجرّد عبوره حدود بلد يحترم المرأة وحريّتها نجد الكويتي يحترم حريّة المرأة باللباس غصباً عنه ويتحكم بغرائزه غصباً عنه. ومن هنا يتضّح أن الأمر لم يكن يوماً يتعلّق بالغريزة، بل بالمجتمع المنافق الذي يسمح للرجل بالتمادي، ويلوم المرأة على مدى احتشامها.













17 Feb 2019

الشرع والقضاء ينظر نظرة احتقار للمرأة وعقلها




إذا أرادت المرأة الكويتية أن ترفع دعوى نفقة أو طلاق للضرر في المحكمة ، أي أنها متضررة بسبب العنف أو سوء العشرة أو عدم الإنفاق يجب أن تحضر شهوداً ليشهدوا أمام القاضي أن كلامها صحيح. وبما أن قانون الأحوال الشخصية الكويتي مشتق بالكامل من الشريعة الإسلامية فالشهود يجب أن يكونوا رجلان، أو رجل وامرأتان. حسب الآية القرآنية "وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ" من سورة البقرة

تفسير الآية هو أن المرأة عقلها ضعيف مقارنةً بالرجل وأنها تنسى كثيراً، وبالتالي عقل امرأتان يعادل عقل رجل واحد. بالطبع هناك ظلم وتحقير شديد في هذا التفسير للمرأة وعقلها.

لكن المشكلة والمعضلة الحقيقية هو ما تواجهه المرأة عندما تلجأ للمحكمة. في كل مرّة تريد المرأة الكويتية أن تطالب بنفقة أبناءها يجب أن تحضر رجلان أو رجل وامرأتان ليشهدوا أن الأب لا ينفق على أبناءه، وفي كل مرّة تتعرّض الكويتية للعنف من قِبل زوجها أو أنه يأخذ أموالها بالقوّة ولا تريد الاستمرار بالعيش معه، يجب أن تحضر معها رجلان أو رجل وامرأتان ليشهدوا أمام القاضي أن ما تقوله حقيقة.

وماذا عن المرأة التي توفى والدها وليس لديها أخوة ذكور؟ أو ماذا عن التي لديها أخوة يمتنعون عن مساعدتها والوقوف معها والشهادة أمام القاضي؟ ماذا يحصل لهذه المرأة؟ الإجابة بكل بساطة، يضيع حقها.

في الكثير من القضايا التي ترافعتُ فيها عن زوجة كويتية معنّفة أو زوجة تُطالب بالنفقة كنّا نواجه هذه المشكلة، يأتي يوم جلسة شهادة الشهود فلا يكون لدى المرأة شاهد رجل، لأن أخاها الوحيد يرفض مساعدتها ووالدها متوفيّ، أو حتى والدها يرفض الشهادة لصالحها في المحكمة. في إحدى المرّات إحدى موكلاتي طلبت من زميلها بالعمل أن يقف معها في المحكمة ويشهد معها، كان والدها متوفي وقد توسّلت لأخاها أن يساعدها فرفض بحجّة العيب والسمعة! اضطرت أن تطلب من زميل عمل! طبعاً من الصعب جداً أن تطلب المرأة من شخص تعرفه معرفة سطحية ومهنيّة أن يحضر معها للمحكمة ويشهد معها بأمر شخصي ومخزي جداً كالعنف الذي تتعرّض له من قِبل زوجها.

في إحدى القضايا أكدت لي المرأة أن ليس هناك رجل في حياتها ليأتي ويشهد معها، حرّصت عليها مراراً أن تبحث عن أي شخص حتى لو قريبها من بعيد، أو جار، أو زميل عمل، لكنها أكدّت لي أنه ليس هناك أحد، فكّرنا ما الذي يمكن أن نفعله، فاقترحت علي أن تحضر أخواتها وصديقاتها، لديها أختان وصديقتان مقرّبتان تعرفان ما تمر به من مشاكل. وضّحتُ لها أن القانون يسمح برجل وامرأتان للشهادة لكن لا يسمح بأربع نساء. توسّلت إليّ أن نحاول حتى لا يضيع حقها، فشرحت لها أننا نستطيع المحاولة لكن للقاضي سلطة الرّفض. جاء يوم الجلسة وأحضرنا الشاهدات الأربعة ووقفنا أمام القاضي، فاشتطّ القاضي غضباً وأخذ يصرخ: "ما هذا!! أتسخرنَ من المحكمة!؟"، قلتُ له: "لا يا سعادة القاضي، كل ما في الأمر أن والد المدعيّة متوفي وليس لديها سوى أخ واحد، توسلنا إليه أن يقف ويشهد اليوم فرفض بحجّة العيب والسمعة، لذلك أحضرت السيدة أخواتها وصديقاتها اللاتي يعرفن عن تفاصيل معاناتها مع زوجها والعنف والظلم الذي تتعرّض له، وبما أن الشرع يعتبر عقل امرأتان عن عقل رجل احضرنا أربع نساء". فزاد غضبه وصرخ بوجوهنا جميعاً "احضروا لي رجالاً أريد رجالاً"، لم يسمع شهادة النساء، وهددنا برفض الدعوى تماماً إن لم نحضر له رجالاً، وضاع حق المرأة لأنها لا تعرف رجلاً يشهد لِصالحها في المحكمة.












16 Feb 2019

هرم القمع والإضطهاد




القمع والاضطهاد هو مرض اجتماعي سياسي يعتمد على "الفوقيّة". ففي النظام الأبوي يكون هناك سلطة ذكورية مستبدة (متمثلة بالأمير) تجثم على البلاد وتراقب: إن تكلّم هذا بكلمة مخالفة للسلطة سجنته، وإن ذاك عبّر عن رأي مخالف لرأي السلطة عاقبته، وإن ارتدت تلك ملابس لا تتماشى مع الفكر السائد تم تهديدها بجهنّم وبجواز اعتداء الرجال عليها، وهكذا..

النظام الأبوي المستبد الذي يحكم الدولة ويتسلّط ويضطهد، تنعكس صورته في الأسرة، فتحت النظام الأبوي الرجل الكويتي مقيّد ومُضطهد يتحكم رجل آخر (غالباً والده) بمصيره، يجبره على تخصص دراسي معيّن، يختار سيارته ويشتريها له، يقوده باتجاه وظيفة محددة، لا يختار الرجل الكويتي زوجته حسب رغبته، بل حسب ضوابط حددها له المجتمع مسبقاً، أو يُجبر على الزواج من ابنة عمه أو من قبيلة محددة، لا يختار أسماء أبناءه بل يجبر على التسمية على أباه، أمه، جده، إلخ، لا يختار عدد أبناءه فالمجتمع يفرض عليه إنجاب ثلاثة على الأقل. وفي مجتمع يكون الرجل فيه دائماً مُراقَب كي لا يخطئ، لا ينضج الرجل أبداً. لأن النضوج يعتمد على ارتكاب الأخطاء والتعلّم من التجارب. لذلك فالرجل الكويتي سطحي وهش لا يحسن التصرّف ولا يتقن اتخاذ قرارته ويحتاج لمن يتخذ قرارته بدلاً منه. ويظل معتمداً على والده أو حكومته بتوفير حياة كريمة له حتى بعد تقدّمه بالسن وبناءه لأسره، يظلّ دائماً معتمداً على غيره في رزقه. ولأن الرجل الكويتي يشعر بالضعف تحت سيطرة السلطة الأبويّة التي تتحكّم به، لا يشعر بكيانه ولا حريته فهو يحتاج لشخص يقوم هو باضطهاده، حتى يشعر بشيء من القوّة، فيضطهد المرأة التي هي أضعف منه جسدياً، يحدّ من حريتها، يحدد لها ما يجوز وما لا يجوز لها فعله، لبسه، قوله، التفكير به، يُحقرها، ويصغّرها عن طريق اسكاتها، تهميشها، والضحك على رأيها، وفي الكثير من الأحيان يضربها ويعنّفها كوسيلة للتعويض عن ضعفه وانكساره وانعدام حيلته تحت ضغط السلطة الأبوية عليه.

المرأة بدورها تشعر بالاضطهاد والانكسار تحت سلطة الرجل الأبوية الذكورية، تشعر أن الحريّة الوحيدة المتاحة لها هو اللعب بشكلها الخارجي، فتقضي حياتها بالخربشة بالمكياج على وجهها كالدمية حتى يُخيّل لها أنها تملك خيارات، وتلبس وتخلع الثياب حتى يبدو لها ولو للحظة أنها حرّة وأنها تحيا، وإن كانت ربع حياة. ولأنها مضطهدة فهي تبحث عمن تستطيع أن تمارس عليه الاضطهاد، فتضطهد الخادمة لأنها أضعف منها، تحد من حريّتها، تحدد لها ما يجوز وما لا يجوز فعله، لبسه، قوله، والتفكير به، تحقّرها، وتعنفها، وتدفنها تحت الأعمال المنزلية التي لا تنتهي حتى تشعر أنها ذات سلطة وذات قرار. وفي الكثير من الأحيان ينصب اضطهاد المرأة على أبناءها وخصوصاً الإناث.

الأبناء بدورهم تعلموا التسلط والاضطهاد من الأب والأم، فإما أن يمارسونه على بعضهم البعض، الكبير على الصغير، والأخ على الأخت، أو يمارسونه على الخادمة كما تفعل ماما، أو يمارسونه على ماما كما يفعل بابا، أو يمارسونه على حيوان ضعيف، كالاستمتاع بحبس عصفور في قفص، ركل قطه، ضرب كلب، وهكذا..


الاضطهاد والقمع مرض "فوقي"، حتى أنني شاهدت موظف مصري يعمل عملاً وضيعاً في الكويت (حارس أو مندوب) يتسلط ويضطهد عامل النظافة الأسيوي، لأن الأسيوي هو الوحيد الأصغر منه، فيضطهده ليشعر بذاته.

لكن لكي نقضي على الاضطهاد يجب أن نبدأ من التحت إلى الفوق. أن نبدأ بالعصفور المحبوس في قفص الذي ندعي أنه يغني لنا فرحاً بحبسه، يجب أن نبدأ بتحرير أضعف مخلوق في هرم العنف الذي بنيناه أولاً. فما دُمنا نستمر بالعيش في وهم أن الطائر الحبيس يغرّد من شدّة فرحه وحبّه لسجّانه، سيستمر الأطفال بقمع وباضطهاد بعضهم البعض، ستستمر المرأة باضطهاد الخادمة، والرجل باضطهاد المرأة، والسلطة باضطهاد الرجل. وذلك لأنه أكثر الناس ظلماً، قمعاً، واضطهاداً هو ذاته أكثر من يُعاني من الظلم، والقمع، والاضطهاد.














12 Feb 2019

أمريكا تناقش تجارة الرقيق بكل شجاعة، هل الكويت تناقش مأساة البدون؟




شهر فبراير من كل عام هو الشهر الذي تحتفل فيه الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ الأفارقة "ذوي البشرة السمراء" أو

Black History Month

خلال هذا الشهر تحتفل أمريكا بالمفكرين السمر مثل "مالكم أكس" و "مارتن لوثر كنج" و "هارييت توبمان" و "روزا باركس" وغيرهم كثر ممن ساهم في انهاء عبوديّة الأفارقة في أمريكا. تجد محاضرات، وفعاليات، ومناقشة لكتب، وروايات، وشِعر، لكتّاب وشعراء من ذوي البشرة السمراء في كل مكان، وخاصة في المدارس للتلاميذ الصغار، والهدف من ذلك هو أهمية تعليم الصغار التاريخ الحقيقي لأمريكا وعدم نسيان ما حصل من تجارة للرقيق، ورفع شأن كل من ساهم في التغيير. 

ابنتي جوري أيضاً ملزمة بقراءة رواية

Day of Tears

للكاتب الأمريكي من أصل أفريقي "جوليوس ليستر"

الرواية جميلة وحزينة تحكي حياة طفلة أفريقية عمرها 12 سنة تم فصلها عن أسرتها وبيعها لخدمة أسرة أمريكية بيضاء، وتعكس الرواية شتى أنواع القسوة والعبودية واللاإنسانية التي كانت تُمارس من البيض على السمر في أمريكا.

ابنتي ملزمة بقراءة الرواية، وكتابة تقرير عنها، ومناقشة آراءها حول تجارة الرقيق في فصل اللغة الإنجليزية، لذلك كنتُ أتناقش معها البارحة عن الرواية، والنقاشات التي حصلت بين التلاميذ وبين معلمتهم في الفصل. سألتها هل تضايق أحد من عرض مثل هذا التاريخ المخزي؟ أو ادعى أنه ليس من الوطنية مناقشة ما فعله البيض بالسمر في أمريكا؟ أو أنه عار ويجب عدم مناقشته لأن فيه تشويه سمعة لأمريكا؟

قالت لي أن المعلّمة منذ البداية قالت لنا جميعاً أن مناقشة ما حصل من عبودية ليس تشويهاً لسمعة أمريكا، بل من واجبنا معرفة حقيقة ما حصل وعدم انكار الأخطاء، فلولا مناقشة الأخطاء والحديث عنها بكل وضوح وصراحة لما حدث التغيير أساساً، وأنه مهما كانت الحقيقة بشعة يجب مواجهتها وعدم انكارها، والأهمية الأخرى هو أن لا يحصل ما حصل ثانيةً من استعباد للضعفاء، فعصر عبودية السمر انتهى لكن لكي ننهي التمييز تماماً، ولا يُبخس حق أي ضعيف آخر من المهاجرين، أو الفقراء، أو من يعملون في المهن البسيطة.

طبعاً هناك اختلاف شاسع في أسلوب التعليم بين أمريكا والكويت، في منهج اللغة العربية في الكويت الذي تحوّل لتربية إسلامية لأن الكتاب غالبيته آيات وأحاديث، لا يقرأ التلاميذ قصة ولا رواية ولا يتم تشجيعهم على كتابة التقارير أو مناقشة الآراء في أي موضوع. بل يعطى بضعة أسطر سطحية عن موضوع الفلك أو النحل ويلقّن أن يجيب في الاختبار الإجابة النموذجية: "هذا يدل على قدرة الله". حتى أن الطفل لا يحقق أي حصيلة أو ثروة لغويّة تمكنّه من التعبير عن آراءه أو أفكاره.

لو كان الطفل في الكويت يقرأ رواية عن العنصرية والمعاناة التي يعيشها "البدون" في الكويت، أو لو كان يقرأ عن القسوة التي تتعرض لها عاملات المنازل، أو الوافدين ممن يعملون في المهن البسيطة الوضيعة، بدلاً من إنكار هذا الواقع وادعاء أن الكويت بلد الإنسانية، وأن الأمير الذي يدّعون أنه أمير الإنسانية يعلم حق العلم بالمأساة التي يعيشها البدون ويتغاضى عنها كأنها لا تعنيه. لو كان الأطفال يتعلمون عدم النفاق وانكار المشاكل والمآسي والتظاهر بعدم وجودها بحجة تشويه سمعة وطنهم لما استمرّت مأساة البدون لأكثر من ستين عام.










في الكويت تُسجن إذا فكرت وتُسجن إذا عبّرت

should have published this prior to December 29th 2018




سيتم محاكمتي قريباً بسبب تغريدة طلبت فيها من الله أن يرزقني بسيارة "فراري" وحقوق مساوية لحقوق الرجل.

خرجتُ مصدومة، بعد أن انتهى التحقيق معي في النيابة. هل نعيش في بلد تافه إلى هذا الحد؟ بلد يُحاكِم فيه الإنسان لأنه طلب من ربه سيارة وعدالة اجتماعية؟ ما الفرق بيني وبين من يطلب الرزق من ربه؟ ما الفرق بيني وبين من يطلب الإنصاف من ربه؟ إن كان هذا المجتمع المنافق ينظر لله على أنه إله غاضب ساخط لا يقبل أن يوجه له الدعاء بعفوية ومن دون مبالغة في الألفاظ، فالله بالنسبة لي هو الرحمة التي ألجأ لها بكل بساطتي وعفويتي ومن دون تكلّف، وأحياناً بأسلوب الفكاهة. ولِمَ لا؟ أنتم ترونه مخيف، وأنا أراه عطوف. أنتم ترونه متكبر، ومتعالٍ، وقاسٍ، وأنا أراهُ رحيم ومتواضع. لا يمكن لمن خلق شيئاً بجمال ورِقّة الزهور أن يكون قاسٍ. لا يمكن لمن خلق وداعة الطفل أن يكون محباً للعِقاب 

 وأنا في طريقي إلى البيت، كان لهيباً يشتعل في صدري. سأكتب (قلتُ في قرارة نفسي باصرار) سأكتب أن الحكم في الكويت هو حكم أُحادي مستبد وظالم، يتفنن في اضطهاد شعبه. ٍسأكتب أن حرية الرأي وحرية التعبير معدومة في الكويت، وأن الدستور الكويتي الذي يدعون أنه "يكفل" الحقوق والحريات ما هو إلاّ نكتة ساذجة، ثقيلة مللنا من ترديدها إلى أن صارت لا تضحك أحد منّا، فلا وجود لحرية الرأي في بلد فيه مئات من سجناء الرأي، وعشرات المهجّرين قسراً. الدستور الكويتي ما هو إلا أداة تستخدمها السلطة القامعة لتزج عددٌ أكبر من شعبها في السجون. سأكتب أن هذا البلد التعيس، ببرلمانه الأتعس يسن القوانين القامعة الظالمة ليجد وسائل جديدة لسجن شعبه

وصلتُ البيت وما أن بدأت حتى اتضح لي أنه سيتم استدعائي للنيابة ثانيةً إن استمريت فيما أكتب. ففي الكويت لا تُسجن فقط لأنك قلت ما يضايق السلطة في تعريفها العفِن للدين، لا. بل تُسجن أيضاً إذا تذمّرت من شدّة الظلم الواقع عليك. تُسجن إذا تجرأت أن تقول الحقيقة، تُسجن إن تجرأت أن تصبح المرآة التي تعكس لهذه السلطة الظلمة ظلمها. تُسجن إذا فكرت، وتُسجن إذا عبّرت عن فكرك.

لم يعد هذا المجتمع التعيس صالح للعيش، ولم تعد هذه البقعة التعيسة من الأرض وطناً، لا خيار لي سوى الهجرة.