يمكن الإستماع لهذه المقالة هنا
https://www.youtube.com/watch?v=UvlSapb9lgI&t=312s
عندما نعدد أفضل الأدباء سرعان ما نقول شيكسبير، و تولستوي، و هيمينغواي، و هيوغو ، و
محفوظ، و جبران
عندما نفكر بأفضل الفلاسفة فسرعان ما يتبادر
إلينا: سقراط، و "اسبينوزا"، و "كانت"، و "ديكارت"،
و "نيتشة"
عندما نعدد أفضل الفنانيين نذكر فقط اسم
"فانغو" و "مونيت" و "بيكاسو"
عندما نعدد أفضل العلماء نقول
"جالاليو"، "نيوتن"، "داروين"، و
"اينشتاين" و "هوكينز"
عندما نعدد أفضل الموسيقيين: نذكر موزارت،
بيتهوفن، شوبان، و فيفالدي
ارتبطت العبقرية بالذكورة بالرغم أن هناك
الكثير من العبقريات النساء اللاتي لا يذكرهن التاريخ، لا تُذكر أسماءهن في الكتب،
لا يتم تدريسهن في الفصول المدرسية ولا في المحاضرات الجامعية، لماذا؟
لأنه عبر العصور كان الذكر دائماً في موضع
السلطة، ومن بيده السلطة واتخاذ القرار هو من يقرر عمّا يُكتب في الكتب، وما يوضع
في المناهج المدرسية، والكتب التعليمية، و ما يُدرّس بالفصول وفي الجامعات. ولأن
الذكر يرفض مزاحمة المرأة له في الإبداع، والعلم والثقافة، و يرى ذاته فقط عبقرياً
فهو يتعمد عدم ذكر المرأة و إنجازاتها، لأن ذكوريته تعتمد اعتماداً تاماً على
تهميش المرأة و اظهار ذاته بأنه أفضل منها و أذكى منها.
بالإضافة إلى ذلك كانت المرأة عبر العصور
محرومة من التعليم، وإن ولدت بموهبة حرمت من إظهار هذه الموهبة و تنميتها. همّشت
المجتمعات المرأة و طمست موهبتها و أغرقتها بالأعمال والمسؤوليات المنزلية، فإن
كانت ابنة، تحملّت الأعباء المنزلية مع والدتها، وما أن تزوجت أنجبت وسخّرت ذاتها
لتربية أطفالها وخدمة زوجها، لازالت المرأة تُحرم في الكثير من المجتمعات من التعليم
العالي، و تحرم من اكتشاف موهبتها وتطويرها، وتحرم من تكريس وقتها للوصول لدرجة
علمية رفيعة، فوقت المرأة ليس ملكها، ليس مخصصاً لتطوير لذاتها ومواهبها، بل وقتها
ملك لأسرتها.
هل
سمعتِ مسبقاً بِ "ماريان
موزارت"؟ هي الأخت الكبرى للموسيقار الشهير "وولف غانغ موزارت" و
كانت متفوقة على أخيها من حيث الموهبة الموسيقية، وقد ذكر أخوها عبقريتها في
العديد من رسائله مشيراً أنها مصدر إلهامه ومثله الأعلى. ألّفت "ماريان موزارت"
الكثير من المقطوعات الموسيقية الرائعة، وقد بدأت بتأليف الموسيقى في سن الخامسة،
سمح لها والدها بأداء مقطوعاتها في المسارح منذ أن كانت "ماريان" طفلة.
ولكن حرمها والدها من الظهور وإبراز عبقريتها الموسيقية بعد بلوغها سن الزواج، وحرمها
أيضاً من الزواج ممن تحب، وزوجها بالقوة من أرمل يكبرها كثيراً في السن ولديه خمسة
أطفال. وأغفل التاريخ "ماريان" بعد أن انغمست بتربية أطفال زوجها وأطفالها
منه، بينما سطع نجم "وولف غانغ موزارت" في كل أنحاء العالم. ترى؟ كم من
مقطوعات "وولف غانغ موزارت" الشهيرة هي في الأصل من تأليف أخته
"ماريان"؟ كتبتها وأعطتها لأخيها لأن مجتمعها الذكوري حرمها من إظهار
عبقريتها.
هل سمعتِ مسبقاً بالرسامة الفرنسية "بيرتَ موريسوت"؟ لا؟ غريب
بالرغم أنها كانت من ذات المجموعة العبقرية من الفنانيين الفرنسيين المشهورين بلقب
"الإنطباعيون" أو the impressionists ومنهم "مونيت، و رينوار، و ديغاس و مانيت".
كانت "بيرتَ موريسوت" زميلتهم، وقد أحبها "مانيت" وكان يرسمها
كثيراً في لوحاته، وقد طلب يدها بالزواج، لكنها رفضته وتزوجت أخوه. ترى؟ لماذا
يذكر التاريخ "أدوارد مانيت" و يعتبره عبقرياً بينما لوحات "بيرتَ
موريسوت" التي توفقت بعبقريتها وجمالها على لوحات مانيت لا يعرفها و لا
يذكرها أحد؟
ولماذا لا نذكر في حواراتنا عن الفن العبقرية
"إلزابيث لو برن" التي كانت الفنانة المفضلة والمقربة من الملكة
"ماري أنتوانيت"؟
لماذا لا نذكر الإيطالية "آرتيميزيا
جينتيليسكي" التي تضاهي عبقريتها الفنية مايكل آنجيلو، و كارافاجيو و حتى
دافينشي؟
؟lأو الفنانة البولندية "تامارا دو
ليمبيكا"؟ ، أو الأمريكيتان "ماري كاسيت" و "جورجيا
أوكيف"
حتى المكسيكية "فريدا كالو" يعرفها
المهتمون بالفن، أما الغير مهتمين بالفن فلم يسمعوا عنها قط.
وقد غرس الذكر في ذهن المجتمع النظرية
الخاطئة بأنه العبقرية محصورة فقط بالذكورة، إلى درجة أننا حتى اليوم وبالرغم من
كل التطورات التي حصلت في المجتمعات الغربية لسد الفجوة بين الذكور و الإناث،
لازال الأغلبية لا يستطيعون ذكر اسم امرأة عبقرية واحدة، سوى العالمة الفرنسية (من
أصل بولندي) "ماري كيوري" التي حصلت على جائزة النوبيل في الفيزياء في
عام 1903، وحصلت على جائزة نوبيل أخرى في الكيمياء في عام 1911
وفي إحدى الدراسات التي أجريت في الولايات
المتحدة تم سؤال العامة "من تظن أنه أقدر على أن يولد أو أن يصبح عبقرياً
الرجل أو المرأة" 90% من الردود كانت أن الرجل غالباً هو العبقري. هذا ما
ينتج عن إبقاء السلطة واتخاذ القرار بيد الذكور. فالذكر يردد في كتبه، ومحاضراته،
وأفلامه الوثائقية أسماء العباقرة من الذكور، ويتجاهل العبقريات النساء. يكرر
أسماء المبدعون الذكور حتى تم حفر أسمائهم في عقولنا، وتم إيهامنا بأن الرجل فقط
هو المبدع، وهو العبقري بينما المرأة لم تحقق شيئاً يذكر.
الكاتبة الإنجليزية "فيرجينيا
وولف" غيّرت مفهوم الرواية الحديثة وتعد أفضل روائية في القرن العشرين
وبالرغم من ذلك اضطرت لبدء دار نشر مع زوجها (ليونارد وولف) لنشر أعمالها الأدبية بعد
أن تم رفض أعمالها من قبل دور النشر. أما أعمال الكاتبة "جين أوستون" فتضاهي
أعمال شيكسبير من حيث البراعة الأدبية واللغوية.
هل سمعتِ بالفيزيائية "دونا
ستريكلاند" الكندية التي حصلت على جائزة النوبيل في عام 2018 في الفيزياء في
مجال الليزر النبضي؟
هل تعلمين أن "أيرين كيوري" ابنة
العالمة ماري كيوري التي ذكرتها مسبقاً، الحاصلة على جائزتا نوبيل، أيضاً فازت
بجائزة نوبيل كما فعلت أمها؟ وقد حصدتها في علم النشاط الإشعاعي في عام 1935
وأنه قبل بضعة شهور حصدت العالمتان الأمريكية
"جينيفر دودنا" ، والفرنسية "إيمانويل شاربينتير" جائزة
النوبيل لاكتشافها طريقة علمية لتصحيح الجينات البشرية بحيث يمكننا الآن إلغاء كل
مرض و خلل جيني متوارث، قضينا على الأمراض الوراثية والفضل يعود لهاتان العالمتان العبقريتان.
وغيرهن الكثير الكثير من العالمات الاتي حصلن
على جائزة النوبيل، وجوائز أخرى لأنهن حققن نجاحات عظيمة في العلم، فجائزة النوبيل
ليست التكريم الوحيد. والكثيرات من المبدعات في مجال الأدب، والفن، لا يتم تكريمهن
ولا يتم استيعاب ابداعاتهن إلا بعد سنوات وأحياناً قرون.
أما رسائل العبقري "آينشتاين"
لزوجته الأولى "ماليفا ماريك" تثبت أن زوجته التي كانت هي أيضاً عالمة
فيزياء و زميلته في الجامعة ساعدته في بحوثه العلمية، وقد كتب إليها: "كبيرة
ستكون سعادتي عندما تحظى نظريتنا في "السرعة النسبية" على النجاح
والقبول". وقد كرر "آينشتاين" الكثير من هذه الألفاظ في رسائله
لها، ألفاظ مثل "بحوثنا"، "مجهودنا"، "عملنا" ،
"نظريتنا في الفيزياء" ألفاظ تثبت مساهمة زوجته له في اكتشافاته العلمية،
لكن "آينشتاين" لم يقاسم زوجته جائزة النوبيل كما تقاسمت معه المجهود
العلمي الذي أوصله للشهرة والعبقرية.
من واجب النساء ذكر العبقريات
النساء، و ترديد أسماءهن، كما فعل الذكر عبر القرون حتى أصبحت أسماء هؤلاء الذكور
محفورة في أذهاننا
فأنا عندما أفكر بأفضل الفلاسفة، أذكر
الفيلسوفة العبقرية "سيمون دو بوفوار" و "ماري وولستون كرافت"
، و "هانا آريندت" و آن كونواي"، و "آيريس ميردوخ"،
أبحث عن كتبهن
وأعمالهن، وأقرأ أفكارهن وأحفظ أسماءهن، وأشجع ابنتي على معرفتهن.
وفي مجال الأدب أردد اسم العبقرية الإنجليزية
آجاثا كريستي، والشاعرة الأمريكية العبقرية "شارون أولدز"، والحاصلات
على جائزة النوبيل: الأمريكية "توني موريسون"، والكندية "آليس
مونرو". والعبقرية "مارغريت آتوود"، وأردد أسماء الأديبات
المعاصرات وألقبهن بالعبقريات، لأن العبقرية ليست محصورة في من حصد جائزة النوبيل،
فالكثير من العباقرة لا يتم الإعتراف بهن.
وإذا سمعت أحدهم يتكلم عن عبقرية الرسام "أدوارد مانيت"، أقول لهم هل بحثت عن
لوحات العبقرية "بيرتِ موريسوت"؟ كانت صديقة "مانيت" لكنها
تفوقت عليه بموهبتها وعبقريتها.