31 Jul 2018

الميزان



بدأتُ مؤخراً في كتابة مقالات عن موضوع النسويّة، بهدف أن أضمها كلها في كتاب يوماً ما. لازلتُ في البداية، وطريق الكتابة لايزال طويلاً. ولأنني مهتمة بما يحصل على أرض الواقع بالنسبة للمرأة التي تتعرّض للتحرّش الجنسي في الكويت؛ من قضايا هتك العرض أو المواقعة بالإكراه، ذهبتُ لنيابة الجرائم الجنسية في الرقعي، لآخذ المعلومات من وكلاء النيابة ذاتهم عن كيفية التحقيق في تلك القضايا وما إذا كانت المرأة المجني عليها تؤخذ على محمل الجد في شكواها من عدمه.

أفاد وكيل النيابة أن قضايا هتك العرض والمواقعة بالإكراه كثيرة، وأنه عندما يستدعي المجني عليها ليأخذ أقوالها تأتيه باكية ومُحطمة، لكنه يتفاجأ بعد استدعاء الجاني بأنه كان، أو لايزال على علاقة بالمجني عليها، ويبدأ بالحلف لوكيل النيابة أنه قد مارس مع المجني عليها كل تلك الأفعال مسبقاً ولم يكن لديها أي مانع، وأنه تفاجأ بقيامها بتقديم شكوى ضده.

هنا قلتُ لِوكيل النيابة: "وإن كانت فعلاً على علاقة به مسبقاً، وإن كانت قد رضيت بالتقبيل أو حتى المعاشرة الجنسية مسبقاً، هذا لا يعني أن الجاني يستطيع إجبارها في كل مرّة يراها، لابد من توافر رضاها في كل مرّة كي لا نكون أمام إكراه، لا يحق للجاني أن يستند على رضا سابق ليفعل ما يريد، لا يستطيع أن يبني أفعاله على رضا سابق. توافر الرضا لازم في كل مرّة".
فيرد وكيل النيابة أنه يجب أن يعتمد على تحريّات ضباط المباحث، يقول: "المسجات التي بين الجاني والمجني عليها وعدد المكالمات، خصوصاً في اليوم الذي وقعت فيه الحادثة، وفي الأيام ما قبل وقوعها، وبعد وقوعها أحياناً تؤكد أن الطرفان لازالا على علاقة".
أقول له: "نعم قد تكون لا تزال على علاقة معه لكن ذلك لا يبرر الاغتصاب، قد تكون خارجه معه بالسيار ولا تريده أن يلمسها، وقد تكون معه في مكان خاص ولا تريده أن يلمسها، كونها خرجت معه بإرادتها لا يبرر اغتصابه لها. أتعلم أستاذ مدى الأذى النفسي، مدى قهر وانكسار المرأة إذا ما جاءت إليك تقول لك باكية أنه قد تم اغتصابها، فترد عليها أنت أنه كان عليها عدم الخروج مع الجاني، أو عدم الموافقة على رؤيته، أو أنها طالما كانت على علاقة بالجاني مسبقاً وسمحت بالفعل ذاته مسبقاً، فلا يحق لها الرفض لاحقاً".

فيقول لي وكيل النيابة: "أنا لا أبالي ببكائها ولا بحلفه. عندما تأتيني المجني عليها تبكي، أضع كل دموعها وبكائها في الجرار"، ثم قام بحركة سريعة بيده بفتح وإغلاق جرار مكتبه الخشبي بقوّة وانفعال، ثم كرر: "لا يهمني بكاؤها ولا حلفه، ما يهمني هو تحريات المباحث، وكثيراً ما يتضح أن المجني عليها تعرف الجاني، بل وقد تكون زوجته المنفصلة عنه جسديا ولا تزال تعيش معه في البيت من أجل الأولاد، وبعض الأحيان أيضاً طليقته التي تعيش معه بنفس البيت من أجل الأولاد". 
تخيلتُ دموع النساء التي يضعها وكيل النيابة في جرار مكتبه ويغلقه بعنف، تخيّلتُ دموعهن تتسرّب ببطىء من جوانب وزوايا الجرار وتتساقط قطرة، قطرة على السجادة، فتتكون بقعة داكنة اللون تتسع وتتمدد تحت قدميه. تخيلت كفتيّ الميزان، إحدى الكفتين منخفضة تماماً مثقلة بالدموع، تتصبب القطرات من أطرافها. والثانية خفيفة ومرتفعة تملؤها كلمات الحلف.