28 Jul 2018

هرم الطغيان


 امرأة كويتية بلهاء فارغة العقل والضمير وظيفتها في الحياة وضع الأصباغ على وجوه النساء تقضي أيامها في تعلّيم نساء أشد منها غباءً حِيَل لتصغير الأنف، ونفخ الفم، وتكبير العين بالمكياج، لا يعنيها ولا يعنيهن بتاتاً أن الرموش الاصطناعية التي يتهافتون على شرائها لتجميل عيونهن يتم نزعها من أجساد حيوانات ضعيفة، لأن همهّن الوحيد هو العيش في كذبة الجمال التي خدعتهن بها شركات التجميل الأوربية ليصرن مصدر دخل عظيم لتلك الشركات العبثيّة التي تقتات على تكسير ثقة المرأة بذاتها بإيهامها أنها لا شيء إن لم تكن جميلة.
تصرّح هذه المرأة الساذجة بأنها غير راضية عن التعديلات القانونية التي صارت تلزم كفيل الخادمة بإعطائها يوم واحد راحة في الأسبوع كحق بشري أساسي. وعبرّت عن سخطها اتجاه التعديل الآخر الذي يمنع الكفيل من الاحتفاظ بجواز سفر الخادمة لأن في ذلك مخالفة للحقوق اللصيقة بالإنسان. جاءت هذه التعديلات القانونية أخيراً بعد عدد هائل من وقائع تعذيب، وظلم وجور، والمعاملة الحيوانية التي يتم التعامل بها مع الخادمات الأسيويات في المجتمع الكويتي الذي يدعي الدين، والسلام، والكرم والطيبة، وأنهم أروع بلد، وأفضل ناس، ويخشون الله، ويتهافتون لعمل الخيرات ولا يرضون بالظلم ولا الاضطهاد.
وسائل الإعلام التي تداولت الخبر لقبّت المرأة - خبيرة المكياج - بأنها "شخصية مؤثرة"! لا أدري هل أضحك أم أبكي أن الشخصيات المؤثرة في بلدي هم بائعون الكذب والوهم، بينما الشخصيات المؤثرة في الدول الراقية هم المثقفون، الكتّاب، العلماء، الفنانون والمفكرون.
اضطهاد وقمع المرأة الكويتية للمرأة الأضعف منها (الخادمة) نتيجة طبيعية وحتميه في بلد ذكوري، أبوي كالكويت. لأن القمع والاضطهاد هو مرض اجتماعي سياسي يعتمد على "الفوقيّة". ففي النظام الأبوي يكون هناك سلطة ذكورية مستبدة تجثم على البلاد وتراقب: إن تكلّم هذا بكلمة مخالفة للسلطة سجنته، وإن ذاك عبّر عن رأي مخالف لرأي السلطة عاقبته، وإن ارتدت تلك ملابس لا تتماشى مع الفكر السائد هددتها بجهنم وبجواز اعتداء الرجال عليها.. وهكذا. 
النظام الأبوي المستبد الذي يحكم الدولة ويتسلّط ويضطهد، تنعكس صورته في الأسرة؛ فتحت النظام الأبوي الرجل الكويتي مقيّد ومُضطهد يتحكم رجل آخر (غالباً والده) بمصيره، يجبره على تخصص دراسي معيّن، يختار سيارته ويشتريها له، يقوده باتجاه وظيفة محددة (أو الحكومة ترمي بالرجل في وظيفة لا يرغب بها و يؤمن هو أن ليس له خيار آخر)، لا يختار الرجل الكويتي زوجته حسب رغبته، بل حسب ضوابط حددها له المجتمع مسبقاً، أو يُجبر على الزواج من ابنة عمه أو من قبيلة محددة، لا يختار أسماء أبناءه بل يجبر على التسمية على أباه، أمه، جده، إلخ، لا يختار عدد أبناءه فالمجتمع يفرض عليه إنجاب ثلاثة على الأقل. وفي مجتمع يكون الرجل فيه دائماً مُراقَب كي لا يخطئ، لا ينضج الرجل أبداً. لأن النضوج يعتمد على ارتكاب الأخطاء والتعلّم من التجارب. لذلك فالرجل الكويتي ساذج سطحي هش لا يحسن التصرّف ولا يتقن اتخاذ قرارته ويحتاج لمن يتخذ قرارته بدلاً منه. ولأن الرجل الكويتي مُضطهد، يشعر بالضعف لأنه تحت سيطرة السلطة الأبويّة التي تتحكّم به، لا يشعر بكيانه ولا حريته فهو يحتاج لشخص يقوم هو باضطهاده، حتى يشعر بشيء من القوّة، فيضطهد المرأة التي هي أضعف منه جسدياً، يحدّ من حريتها، يحدد لها ما يجوز وما لا يجوز لها فعله، لبسه، قوله، التفكير به، يُحقرها، يخوّفها، ويصغرها عن طريق اسكاتها، تهميشها، والضحك على رأيها، وفي الكثير من الأحيان يضربها ويعنّفها كوسيلة للتعويض عن ضعفه وانكساره وانعدام حيلته تحت ضغط السلطة الأبوية عليه. 
المرأة بدورها تشعر بالاضطهاد والانكسار تحت سلطة الرجل الأبوية الذكورية، تشعر أن الحريّة الوحيدة المتاحة لها هو اللعب بشكلها الخارجي، فتقضي حياتها بالخربشة بالمكياج على وجهها كالدمية حتى يُخيّل لها أنها تملك خيارات، وتلبس وتخلع الثياب حتى يبدو لها ولو للحظة أنها حرّة وأنها تحيا، وإن كانت ربع حياة. ولأنها مضطهدة فهي تبحث عمن تستطيع أن تمارس عليه الاضطهاد، فتضطهد الخادمة لأنها أضعف منها، تحد من حريّتها، تحدد لها ما يجوز وما لا يجوز فعله، لبسه، قوله، والتفكير به، تحقّرها، وتعنفها، وتدفنها تحت الأعمال المنزلية التي لا تنتهي حتى تشعر أنها ذات سلطة وذات قرار. وفي الكثير من الأحيان ينصب جور واضطهاد المرأة على أبناءها وخصوصاً الإناث. 
الأبناء بدورهم تعلموا التسلط والاضطهاد من الأب والأم، فإما أن يمارسونه على بعضهم البعض (الكبير على الصغير) أو يمارسونه على الخادمة كما تفعل ماما، أو يمارسونه على ماما كما يفعل بابا، أو يمارسونه على حيوان ضعيف، كالاستمتاع بحبس عصفور في قفص، ركل قطه، ضرب كلب، وهكذا..
الاضطهاد والقمع مرض "فوقي"، حتى أنني أحياناً أشاهد موظف مصري يعمل عملاً وضيعاً في الكويت (حارس، مندوب، سكرتير) يتسلط ويضطهد عامل النظافة الأسيوي، لأن الأسيوي هو الوحيد الأصغر منه، فيضطهده ليشعر بذاته.
لكن لكي نقضي على الاضطهاد يجب أن نبدأ من التحت إلى الفوق. أن نبدأ بالعصفور المحبوس في قفص الذي ندعي أنه يغني لنا فرحاً بحبسه، يجب أن نبدأ بتحرير أضعف مخلوق في هرم العنف الذي بنيناه أولاً. فما دُمنا نستمر بالعيش في وهم أن الطائر الحبيس يغرّد من شدّة فرحه وحبّه لسجّانه، سيستمر الأطفال بقمع وباضطهاد بعضهم البعض، ستستمر المرأة باضطهاد الخادمة، والرجل باضطهاد المرأة، والسلطة باضطهاد الرجل. وذلك لأنه أكثر الناس ظلماً، قمعاً، واضطهاداً هو ذاته أكثر من يُعاني من الظلم، والقمع، والاضطهاد. 

كما قال الكاتب والمفكر الفرنسي - فيكتور هيوغو: "لدينا طغاة لأننا نحن طغاة"