السيدة نوره الشمري في يوم 14 مارس 2018 جلست عند البورصة في عاصمة
الكويت وامسكت لافتة كتبت عليها أنها ستفجِّر بأي شخص يقترب منها،
مبيّنة أن اضطهاد المجتمع لها قد أوصلها إلى هذا الحد من اليأس والتمرّد، إذ أنها
تتعرض للاضطهاد من قبل اسرتها، ومن قبل المؤجرين الذي لا يسمحون لها بالتأجير في بناياتهم،
ومن قبل المجتمع ككل الذي يهمشها ويزدريها وينظر لها نظرة دونية لمجرد انها اختارت
أن تنفصل عن رجل سيء.
موقفها كان شجاع ومؤثر. وأنا تشرفت بمعرفتها، حيث أنني ذهبت إلى مخفر
منطقة شرق، عندما علمت أنه يتم التحقيق معها هناك. عرّفت بنفسي وقلتُ لها بأنني
فخورة بما فعلت، وأنها ليس الوحيدة. أردتُ مؤازرتها، أردتُ أن أبلغها بأنها شجاعة
وليست كما قال البعض "مجنونة، أو مختلّة، أو مريضة نفسياً"، فالمجتمع
الكويتي القبيح، والرجل الكويتي الدنيء، يحب إهانة كل امرأة تتمرد على سلطته وظلمة
بجملة "أنتِ مجنون، أنتِ مختلة عقلياً، أنتِ معقدة، روحي عالجي نفسج".
المرأة المطلقة في الكويت تعاني
من التهميش والتحقير والازدراء. آنا شخصياً كامرأة مطلقة عانيت مما عانت منه
السيدة نوره، كنت أمسك بيد ابنتي وأذهب من بناية إلى أخرى بحثاً عن سكن، وفي كل
مرة كان الرد بالرفض: "لا نسمح إلاّ بالعوائل"، "لا نسمح للمطلقات"،
"لا نسمح إلاّ بعقد زواج".
أنا وابنتي جوري عائلة، نحن عائلة صغيرة مكوّنة من أم وابنتها، قد لا
نعكس صورة العائلة المثالية التي تظهر عادة في "البروشورات" والدعايات
"أم، وأب، وابن وابنة". لكننا بالرغم من ذلك عائلة، لا يوجد عائلة أفضل من أخرى بسبب عدد أفرادها أو النوع الجنسي
لأفرادها، فالعائلة ممكن أن تكون مكونة من جدة وأحفاد، والعائلة أيضاً ممكن أن
تتكوّن من أب وأبناء، وأعرف عائلة مكونة فقط من أخ وأخته قد مات عنهما والديهما.
المحزن هو ردود الناس على الموقف الشجاع الذي اتخذته السيدة نوره، فالبعض
بكلامه يلومها ويوبخها لأنها عرّضت اسمها واسم اسرتها للعار، وأنه كان من الأحرى
أن تصمت، وتدفن رأسها بالتراب. في المجتمع الكويتي العفِن لا يتم النظر للمشكلة ومعالجتها،
بل يُلام، ويُحاكم الشخص الذي يعبر عن المشكلة ويكشف عنها، ومثال على ذلك عندما
أحرق الرجل "البدون" أو "غير محدد الجنسية" نفسه أمام محكمة
الجهراء في 27 فبراير 2018 (وهي ليست الحادثة الوحيدة، شاب آخر أحرق نفسه في 21 سبتمبر
2017 أمام مخفر في الجهراء). وبدلاً من تسليط الضوء على مشكلة "البدون"
في الكويت التي تفاقمت إلى أن صار الناس يحرقون أنفسهم، لاموا الشاب البدون وكفروه
بحجة أن الانتحار حرام!!
ما يفعله البدون من حرق انفسهم، وما فعلته السيدة نوره من التهديد
بالانفجار والتفجير ما هو إلا نتيجة صمتنا، نتيجة قُبحنا، نتيجة نفاقنا بالدين،
نتيجة الكذبة التي نرددها في كل يوم بأن هذا البلد يأوي الكل، ويحمي الكل، ويحترم
الكل، وليس فيه من هو محروم أو مظلوم. عنصريتنا وتهميشنا للمرأة هو سبب بقاءنا في
الدرك الأسف من الحضارة والتحضر، لأن المجتمع بطبيعته لا يمكنه أن يعلو عن المستوى
الذي ينظر فيه للمرأة.
هذا ما نشرته في مدونتي في عام 2012، ومازال الحال كما هو، لم يتغيّر شيء، بل ازداد سوء: