عندما يرضع المرء الماسوجينية* من صدر
أمه، تصبح الماسوجينية أمراً عادياُ جداً لا يدعو للاستنكار. لأن الماسوجيني
كالعنصري، لا يدرك أن ما يقوله أو ما يفعله ماسوجينية. فعندما ينعت العنصري شخص ذو
بشرة سمراء "بالعبد" أو أن يقول له "يا الأسوَد" بقصد الجمع
بين السخرية والمزاح، لا يرى حرجاً في قوله، ولا يعده أسلوب للتحقير، أو للتصغير،
أو للاضطهاد. لأنه منذ سن مبكر جداً استمع لوالده ووالدته، وأجداده ينادون شخص
"بالعبد" أو "بالأسوَد" بقصد تحقيق السخرية والمزاح معاً.
لكنك إن واجهت هذا الذي ينادي انسان "بالعبد" بأن ما يقوله هو من قبيل
العنصرية، سيستغرب جداً من اتهامك له بالعنصرية، لأنه عندما استخدم لفظ
"عبد" أو "أسوَد" لم يفعل سوى ما يفعله كل من حوله، وبما أنه
لم يرَ أي حرج أو استنكار من ذلك الفعل ممن هم حوله من مربيّن؛ أب، أو أم، أو
أجداد (الأشخاص الذين يتعلّم منهم ما هو صح وما هو خطأ)، فلن يدرك أبداً أن ما
يفعله أو ما يقوله هو من قبيل العنصرية.
كذلك بالنسبة للماسوجيني، فهو تعلّم
منذ صغره أن الرجل أفضل من المرأة؛ أمهُ تفضله على أخته، ووالده يفخر بلقب
"أبوفلان"، والده يصرخ على أمه، أو يسخر من رأيها، أو يُسكتها إن لم يعجبه
كلامها، أو يعاملها وكأنها لا تفهم. ولأنه رآى والده يصرخ على أمه، فهو يبدأ
بالصراخ على أخته. يرى أيضاً أن له حقوق وحرياّت لا تتمتع بها أخته، يسمع بالمدرسة
حديث عن الرسول أن أكثر أهل النار من النساء، يذهب إلى الديوانية مع والده فيسمع
أحد الرجال يحتقر قول آخر بمقولة: "اترك عنّك سوالف الحريم"، وآخر يحتقر
شجار بين رَجُلان بوصفه "هوشة جناين*". يكبر أكثر فيسمع صديقه يحقّر شاب آخر بوصفه "بالأنثى". يكبر
أكثر فيسمع من أحد أصدقاؤه أنه يعنف أخته بالصراخ عليها أو ضربها إن لبست
ما لا يعجبه بعذر أنه يغار عليها ويحميها، وأنه إن لم يفعل ذلك فهو بالتأكيد كما
قال مدرس التربية الإسلامية "ديوث". فيذهب الآخر إلى البيت ويبدأ
بالتحكم في أخته عن طريق الحد من حريتها، ويهددها بالتعنيف إن لم تمتثل لأوامره،
ويقتنع تماماً أن ما يفعله هو من حقه لأنه رجل، ومن مصلحة أخته، وأنه لا يتحكم بها
كما يشاء ليشعر برجولته المزيّفة، بل يحميها من نظرات الرجال لأنه رجل ذو
"غاريّة". يستمع لرجل دين في التلفاز يكرر حديث "لن يفلح قوم ولوّ
أمرهم امرأة"، وفي إذاعة الراديو يسمع رجل دين آخر يكرر حديث "أن النساء
ناقصات عقل ودين". وعندما يستمع لحوارات النساء، يرى أن أهم معيار لتقييم بعضهن البعض هو معيار الشكل الخارجي، فيسمع أمه تقول لخالته "شفتي فلانة كانت
حلوة الحين شمتنها* صارت مسكينة"،
وبينما جميعهم يشاهدون العرس الملكي البريطاني تستغرب أخته من اختيار الأمير هاري
"لتلك السمراء" أو "الشيفة*"
ميغان ميركل، بينما كان بإمكان الأمير هاري أن يتزوج أجمل امرأة، وما تقصده
الأخت "بأجمل امرأة" هو المعايير الأوربية الكلاسيكية؛ امرأة شديدة
البياض، ذات شعر أشقر، وعينان زرقاوان، وشفتان زهريّتان. وعندما يصبح دور هذا
الشاب في الزواج يقول لأمه أنه يريد فتاة بيضاء، ذات شعر أشقر، وعينان زرقاوان.
هكذا يصنع مجتمعنا الرجل الماسوجيني. هكذا نخلق رجل يستخدم كلمة "امرأة"
أو "أنثى" أو "بنت" ليُهين بها رجل آخر، لأن المرأة هي أدنى
شيء يعرفه. بهذه الطريقة نلقّن الرجل في مجتمعنا أن المرأة لا يصلح حالها إلاّ
بالحزم والشدّة والعنف، يجب مراقبتها وتأديبها، فهي لا تحسن التدبير وليست ذات
حكمة أو فطنة فيجب على الرجل أن يحكمها. هكذا نعزز لدى الرجل في مجتمعنا أن المرأة
مجرد جسد جميل، فإن لم تكن جسداً جميلاً فهي لا شيء.
مفاهيم:
*الماسوجينية: كره وازدراء المرأة، والماسوجينية ليست مقتصرة على الذكور، فهناك نساء كثيرات يكرهن و يضطهدن مثيلاتهن من النساء.
*هوشة جناين: "هوشة" كلمة عاميّة تعني شجار.جناين جمع، المفرد جنّة والجيم هنا تنطق "تش"
وهي كلمة عاميّة للكنّة أي زوجة الابن، ويستخدم هذا التعبير الشعبي لكثرة الجدل
بين زوجات الأبناء، فيقال "هوشة جناين" لتصغير وتسفيه شجار الذكور لأن
تشبيه شجارهم بشجار زوجات الأبناء التافهة، فيه إهانة لهم.
*شمتنها: لفظ عاميّ، يقصد به شديدة السمنة.
*الشيفة: كلمة عاميّة تعني القبيحة.
*الشيفة: كلمة عاميّة تعني القبيحة.