ما هو الواقع؟ ما هو حقاً؟
أهذا هو الواقع؟ أهذه هي الحياة؟ أهذا كل ما
في الحياة؟ تساءلتُ، وأنا أنتزع القفازات الصفراء. صوت المطاط الرطب الذي يأبى من
أن ينخلع عن كفّي، دوي الامتصاص الأخير المزعج بعد شدّه بقوّة عن يديَّ.
صففتُ الصحون على رفوف التجفيف، دموعها
الأخيرة تسيلُ على وُجوهِها البرّاقة. كنستُ الأرضيات و مسحتها، نفضتُ الديباج والشراشف،
رتبتُ الأسرّة، أطعمتُ القطة، أعدتُ ملء صندوق فضلاتها بالتراب، أخرجتُ الغسيل، وعاد
ظهري يشتكي ألمهُ القديم حين انحنيتُ لكيِّ الملابس، و بحركة خفيفة تلقائية حولتُ
الجوارب إلى كُوَرٍ صغيرة يسهل ترتيبها في الدولاب، طَهَوتُ، جهزتُ المائدة، وبعد
الانتهاء من الأكل، عدتُ للقفازات الصفراء، لوجوه الصحون المتسخة بالدهون.
ترتيب الأشياء في حياة امرأة مثلي، يشبهُ
تماماً ترتيبها في أعماقِها. المكنسة المخبئة خلف الباب، تُشبهُ الكلمات التي أخبئها
في نفسي، أكتبها ولا أرغب في رؤيتها بعد أن أنتهي. قائمة المهام التي أضيفُ إليها
مهمةً جديدة كل يوم، تشبه في طولها لائحة الأحلام التي أؤجلها إلى يومٍ ما، يوم
بعيد. إصراري على ملء برميل القمامة حتى لا يحتمل أكثر، حتى يكاد الكيس يتمزق قبل أن
أرميهِ خارجاً، كأكوام الدموع التي أكدسها وأكدسها حتى لا تجد لها مهرباً إلاّ
انفجار في الروح وإغراقاً في العيون. الأوراق التي أُحسن صفّها والأثواب التي
أُتقنُ طيّها، كالأحزان التي أبرعُ في ركنها وتهميشها. الخِرق والأمتعة القديمة التي
أصطنع الأسباب لإبقائها بالرغم من انتهاء صلاحيتها، كالأعذار التي أخلقها لأقداري أعيدها
ثم أكررها حتى باتت رثّة بالِيَة.
لمرأةٍ مثلي، كم متشابهة هي الأرواح والأقنعة،
الخوالج وتعابير الوجوه، البواطن والظواهر. ليس عليك إلاّ النظر بشيء من التأني،
بقليلٍ من الدقة، لِترى كل شيءٍ بوضوح. الفوضى العارمة الهائلة، تحتاج لمهارة
فائقة، لخبرةٍ طويلةٍ في الإخفاء.