أَيها العُمرُ
إننا لم نُحب المطر، ولم نرجوه انتظاراً إلاّ
عندما نَدَر
ولمّا نَدَرَ وقوعهُ، عَقَدناهُ بالخيرِ
والنعمة
وهل الخيرُ نادر؟ وهل النعمةُ نادرةٌ لهذا
الحد؟
إننا لم نُحبّ شيئاً حَقَّ المحبّةِ إلاّ عندما
لم نُدركهُ تماماً
أحببنا الدنيا لعِلمِنا بزوالها
ومَقتناها لما رأينا وَضاعةِ زوالها، و رُخصِنا
أمام مَكرِ خَناجِرها
إننا - الغالب منا- نعيشُ مِن دونِ أن نَحيا
وإِن سألتَ الواحدَ مِنّا، كيفَ ومَتى اكتسبتَ
هذهِ المهارة؟
لن يُجيبُكَ أحد
لكننا في كلِّ يومٍ نستيقظ، نغسلُ وُجوهَنا ونَخرُجُ للعَمَل، ثم
نعيشُ من دونِ أن نحيا.
إلا عندما كُناّ في قَعرِ آلامِنا
في ظلمةِ ذاكَ البئرِ الحالك، كلُّ الدنيا بَدَت
مُضحكةً
وإننا في حُزنِنا أقربُ ما نكونُ للفرحِ
وفي عِزّ فَرَحنا نشعرُ بِحشرجاتِ الحزنِ في
بلعومِنا
إننا لم ننظر فعلاً لوُجوهِنا في المرآةِ كما
فعلنا ذلك اليوم
يوم تَلَقَّينا صَفعَةَ الخصلةِ البيضاءِ
الأولى في رؤوسنا
يومها فقط، تَعَلّمنا كيفَ غَفَلنا، وكَيفَ
بِكلِّ سهولةٍ يُسحبُ البِساط من تَحتِ أَقدامِنا.
إننا طوالَ طفولتِنا انتظرنا النضوج
إلاّ لنجدَ أنهُ لاشيءَ سوى
إيمانٍ قويٍّ بأن ليست كل الدموعِ مكروهة
بل كثيرٌ مِنها مُستَحبٌ
أيها العُمرُ
ليسَ عليكَ أن تأخذَ كلَّ شيءٍ
أيها العُمرُ
مِنَ المُضحكِ جداً أن أقفَ هنا أمامك وأطلبَ
مِنكَ إنصافي!
ومعَ ذلِك
ها أنا بينَ يديكَ
اَعِد لي بَعضَ أَيامي
صَخرَتي، التي طالما أسنَدَتني مُتونُها
فَراشَتى الناعمة، الهاربة مني.
(بمناسبة ذكرى ميلادي.. بمناسبة التّقدم في العُمر)