21 Apr 2013

فاروغ فاروغزاد

















نبذة عن الشاعرة الفارسية "فاروغ فاروغزاد" و ترجمة لبعض أعمالها الأدبية.


An English version of my essay on Persian poet Forugh Farrokhzad can be found in an earlier blogging dated September 5th 2011  

http://fatimaalmatar.blogspot.com/2011/09/wind-up-doll-forugh-farrokhzad-pushing.html



وُلدتْ "فاروغ" في طهران عام 1935 لأسرة محافظة ولأبوين صارمين, و ترتيبها الثالث من بين إخوتها السبعة, نشأتْ في منزل تُطبَّق فيه القوانين بحدة وحزم؛ فوالدها -الجنرال في الجيش- كان يفرِّق تفرقة واضحة بين أولاده الذكور والإناث, فللذكور الاستمرار في التعليم ودخول الجامعة, أما الإناث فلهن تعلم القراءة والكتابة في البيت وتعلّم فنون التطريز وحسن إدارة المنزل، ولا مصير لهن سوى الزواج والإنجاب.
بدأ شغف "فاروغ" بالشعر منذ اطلاعها وقراءتها لحافظ ورومي؛ فكان ذلك مصدر إلهامٍ مهم لكتاباتها وأفكارها, إلاّ أنها لم تجرؤ على نشر خواطرها لما كان يسود المجتمع الإيراني من تقييد شديد لأفكار المرأة، وبسبب نظرة المجتمع الدونية للمرأة التي تجرؤ على التعبير عن آرائها بحرية، لا سيما التي تكتب في الغزل والتجارب العاطفية.

ظل هاجس الكتابة يلاحق "فاروغ" بعد تزويجها في سن السادسة عشر من قريبها الذي يكبرها بِخمسة عشر عاماً، ولم يفارقها هذا الهاجس بعد أن أنجبت منه طفلها الوحيد "كَمَيار".

في هذه الخاطرة تصف "فاروغزاد" حنينها لكتابة الشعر الذي يمنعها منه خوفها من خسارة بيتها و طفلها الصغير.

الأسيرة
(فاروغ فاروغزاد)

أريدُكَ و أعرفُ أنّني لنْ أستطيعَ يوماً أنْ أضمّكَ إليّ كما أريد
أنتَ السماءُ الزرقاءُ الصّافية
و أنا في زاويةِ هذا القفصِ عصفورٌ مسجون
من وراءِ القضبانِ السوداءِ الباردة
أحدّقُ بكَ بعيونٍ ملؤها حزنٌ وَ شفقة
أنتظرُ يداً تمتدُ إليّ لأفردَ جناحيَّ باتجاهك

يهيأُ لي أنّني في لحظةِ طيش
أستطيعُ أنْ أطيرَ من هذا القفصِ الأكم
أضحكُ في وجهِ الرّجلِ الذي حكمَ عليّ بالسجن
و أعيشُ حياةً جديدةً إلى جانبك

هذه هي هواجسي و أنا أعرفُ حقَّ المعرفة
أنّه لا مفرَّ من هذا السجن
و إنْ أطلقني سجاّني
لم يتبقَ لي نفسٌ من رياحٍ تحملُني على متنِها

من وراءِ القضبان
تبتسمُ لي عينا طفل
عندما أغني, يقرّبُ شفتيه إليّ بقبلة

آآه أيتها السماء
إن أردتُ أن أحلّق عن هذا السجن الأبكم يوماً
ماذا أقولُ لعينيّ هذا الطفلِ المبلّلةِ الدامعة
تجاهليني أيتُها السماءُ فأنا لستُ سِوى عصفورٍ مسجون

أنا شمعةٌ تضيءُ الدمارَ باحتراقِ فؤادِها
سأختارُ الظلامَ وَ السكوتَ وَ القنوط
على ألّا أهدمَ عشاً


نشرت "فاروغ" مجموعتها الشعرية الأولى "الأسيرة" عام 1955, ولقت المجموعة ردود أفعال سلبية ونقدا حادا بسبب جرأة المادة المكتوبة وصراحة الكلمات والعبارات التي عبرت فيها "فاروغ" عن مغامراتها العاطفية

الخطيئة
(فاروغ فاروغزاد)

أخطأتُ و ذقتُ نشوةَ الخطيئة
في عناقٍ متوهجٍ ساخن
بين ذراعين شديدي الانتقام
ذراعين عنيفي الاحتراق..


لم يكن زواج "فاروغ" سعيداً و قد أدى حديث الناس وهمساتهم تجاه جرأتها وتفاخرها بالعار بعد نشرها لمجوعتها الأولى "الأسيرة" إلى إضعاف زواجها أكثر فأكثر حتى انتهى بالطلاق, واستطاع زوجها إثبات عدم صلاحية "فاروغ" لحضانة ابنهما الوحيد "كَمَيار", فخسرت حضانة ابنها, وتحت وطئة فراق وحيدها وتعنيف أهلها ولومهم وتأنيبهم لها انكسرت "فاروغ"، وعانت الوِحدة والاضطهاد وعدم القبول.. واستدعت حالتها النفسية البائسة اللجوء لمصحة التأهيل النفسي.  


ولادة جديدة
(فاروغ فاروغزاد)

أنا كلُّ كياني أغنيةٌ مظلمة
ترفعُكَ و تنهضُ بكَ إلى فجرٍ مِنْ ربيعٍ أبديّ
و في هذهِ الأغنيةِ أتنهَّـدُ و تتنهدُ أنت
و فيْ هذهِ الأُغنيةِ أستمدُّكَ من الشجرِ و النارِ و الماء

الحياةُ هيَ رُبما
الطريقُ الطويلُ الذي تسلكُهُ في كلِّ صباحٍ سيدةٌ تحملُ سلّة

الحياةُ هيَ رُبما
الحبلُ الذي يشْنقُ رجلٌ بهِ نفسَهُ منْ جذعِ شَجرة
الحياةُ هيّ رُبما
طفلٌ يعودُ منْ المدرسة

الحياةُ هيَ رُبما
إشعالُ سيجارةٍ في اللحظاتِ السامةِ بينَ مضاجَعتين
أو هيَ
النظرةُ الفارغةُ مِنْ أحدِ المارّةِ لأحدِ الغُرباءِ حينَ
 يرفعُ لهُ قبعتَهُ ويُلقي عليهِ التحية 

الحياةُ هيَ رُبما
تلكَ اللحظةُ المغلقةُ التي فيها
تدمّر نظرتي ذاتها في سوادِ عينيك
و في هذا الشعور
الذي سأغرِسُه في ظلالِ القمرِ و إدراكِ الليل

وفي غرفةٍ بحجمِ الوِحدة
قلبي
الذي هوَ بحجمِ الحب
ينظرُ إلى أبسطِ أعذارِ السعادة
ينظرُ إلى جمالِ موتِ الأزهارِ وهيَ في إنائها
ينظرُ إلى الشجيرةِ التي غرستها في حديقتِنا
و أغنيةِ عصفورِ الكناري الذي يغنّي بحجمِ النافذة

آآه .. هذهِ أقداري.. هذهِ أقداري..
أقداري هيَ سماءٌ شاسعةٌ تُسرَقُ مني بمجردِ أنْ أُسدِلَ الستار
أقداري هيَ النزولُ دائماً مِنْ أعلى السلالِم
استرجاعُ شيءٍ ما أثناءَ الانقضاءِ وَ الحنين
أقداري هيَ نزهةٌ حزينةٌ في حديقةِ الذكريات
وَ الموتُ في صوتٍ يقولُ لي: "كمْ أُحبُّ يديك"

أعْرِفُ جنيّةً صغيرةً تعيسة
تَحيا في البحر
وَ تضربُ بقلبِها أنعمَ ألحانِ الناي وَ أجملَها
جنيّةً صغيرةً تعيسة
تموتُ بقبلةٍ كلَّ ليلة
وَ تحيا بقبلةٍ كلَّ نهار.


في رسالة من "فاروغزاد" لأختها بعد طلاقها و خسارة حضانة صغيرها:

"كلُّ عذابي الذهني مستمدٌ مِنْ وِحْدتي
عندما أكونُ وحيدةً ليسَ هناكَ مَنْ يغرسُ فيَّ أيَّ فكرةٍ إيجابيةٍ صحيّة
يداي وَ رجلاي خوار القوى وَ السببُ مخيلتي السوداء
وَ أرى بوضوحٍ أنّني لمْ أعدْ أستطيعُ أنْ أقاومَ الفكرةَ أنني لم أعدْ أقوى على هذهِ الحياة.. "


وجهٌ لوجهٍ مع الرب
(فاروغ فاروغزاد)

مِنْ ضوءِ عيني اسرق رغبتي للجوءِ لآخر
وَ علّمْ عينيَّ أنْ تستحيَ مِنْ الذهابِ لبريقِ عيونٍ أُخرى
يا ربْ يا ربْ
أظهرْ وجهَكَ لي واقطفْ من قلبي نشوةَ الخطيئةِ وَ حبَّ الذات
لا تغفرْ تفاهةَ عبدتِك الثائرةِ وَ زلاتِها في اللجوءِ لغيرك
اسمعْ صيحاتي المملوءةِ بالحاجة
يا أيها الإلهُ العارفُ المقتدر


 في رسالة من "فاروغزاد" لوالدها الذي كان طوال حياتها يعاملها بجمود وقسوة، وقد ازدادت الفجوة العاطفية والحسية بينهما بعد طلاقها وإصرارها على عدم الرجوع للعيش في بيت والدها. 

 "أقسى آلامي هي أنكَ لمْ تحاولْ مرّةً التعرّفَ عليّ، وأنك لم ترغبْ يوماً بالتعرف علي أوالتقرّب مني.. أذكرُ عندما كنتُ صغيرةً, كنتُ أقرأُ كتبَ الفلسفة, كنتَ ترددُ عليَّ مراراً وتكراراً بأنني غبيةٌ وساذجةٌ وأنني قد سمّمتُ عقلي بقراءةِ هذه المجلات الأدبية.. و أنتَ لا تعلمُ أنَّ كلماتِك كانتْ تُحطّمُني إلى أجزاءٍ صغيرةٍ داخلَ نفسي.."


أيتها النجوم
(فاروغ فاروغزاد)

نعم أنا هي
مَنْ في سكونِ الليلِ تقطّعُ رسائلَ الحب
لقدْ رَحل .. و شغفي بهِ لنْ يرحل
أيتها النجوم
ماذا حصلَ كي لا يرغبُ بي ؟!



هدية
(فاروغ فاروغزاد)

أنا أنادي مِنْ جوفِ الليل
مِنْ جوفِ الظلامِ أنادي
إنْ أتيتَ إلى منزلي يا صديق
أحضرْ معكَ سراجًا وَ نافذة
كي أستطيعَ النظرَ إلى السعداءِ في الطرقات.



في رسالة تَردُّ بها "فاروغزاد" على نقّادها الذين وصفوا كتاباتها بأنها نسوية وعاطفية وشخصية وغير راقية:

"إنْ كنتم تنتقدونَ أشعاري بوصفِكم لها أنّها أنثويةٌ فهذا أمرٌ طبيعي جداً, فأنا في النهايةِ والحمدُ للهِ امرأة. ولكنْ من الناحيةِ الأدبيةِ وَ الفنيةِ فالجنسُ لا يلعبُ دوراً, بل سأذهبُ إلى أبعدِ من ذلك و أقولُ: إنَّ انتقادَك لصوتي و لشِعْري بأنه مبالغٌ بالأنوثة فهذا ليس نقداً شريفاً, لأنه من الطبيعي بسببِ تكوينِ المرأةِ الجسدي والنفسي ونزعاتِها الروحيةِ أنْ تسلط الضوء على بعض الأمور التي لا يكترث لها الرجل.."


تظل "فاروغ فاروغزاد" محط حديث  المجتمع الإيراني المحافظ حتى بعد نشرها لمجموعتها الشعرية الثانية والثالثة، فتتراوح آراء النقاد بين من يصفها بالعاهر ومن يصفها بالنابغة.
أكملت "فاروغزاد" دراستها في الفن في أوربا وتخصصت في الإخراج السينمائي والتقت بالمخرج "إبراهيم غوليستان" الذي ساعدها في إخراج فيلمها الوثائقي الأول والوحيد "البيت الأسود"، والذي حاز عدة جوائز تقديرية. أحبت "فاروغزاد" "غوليستان" حباً شديداً ووصفته بالرجل الوحيد الذي يحبها ويقبل بها كما هي, لكن حبها لغوليستان المتزوج ساهم في تعزيز الآراء والأصوات التي وصفتها بالانحطاط و انحلالية الخلق.
توفيت "فاروغزاد" عام 1967، عن عمر يناهز الثانية والثلاثين بحادث مروري؛ بعد أن حاولت أن تتحاشى الاصطدام بباص مدرسة؛ مما أدى إلى انحرافها واصطدامها بجدار إسمنتي.
وكان الحادث بعد فترة وجيزة من نشرها لآخر مجموعاتها الشعرية "الجدار".


اغفرْ لها
(فاروغ فاروغزاد)

اغفرْ لها
فهيَ أحياناً تنسى
أنها تشبهُ إلى حدٍ مؤلمٍ المياهَ الراكدة
أنّها تشبهُ الحفرةَ الفارغة
مغفلة, تتخيلُ أنه يحقُ لها أنْ تكون

اغفرْ غضبَ و انفعالَ هذهِ الصورةِ الجامدةِ المحنّطة
هيَ التي فيْ عينيها يذوبُ حنينُها للحركةِ والنمو
اغفرْ لهذهِ المرأة
التي يُغسلُ كفنَها بشعاعِ  قمرٍ أحمر.