18 Feb 2012

زيارتي لمصراته ليبيا - الجزء 2


 زيارتي لمصراته ليبيا - ورشة عمل لتشجيع طلبة مدارس مصراته على كتابة و أداء الشعر و الخواطر تعبيرا عن ثورة 17 فبراير
   برعاية و تنظيم المجلس الثقافي البريطاني – ليبيا  من تاريخ 12 إلى 15 فبراير 2012
مواعيد الورشة: من الساعة 11:00 صباحا إلى 4:00 عصرا

ذكرت في مدونتي (انظر المدونة بتاريخ 12 فبراير) بأن المجلس الثقافي البريطاني نظم ورشة عمل تهدف لتشجيع طلبة و طالبات منطقة "مصراته" في ليبيا على كتابة و أداء الشعر لتساعدهم على التعبير عن مشاعرهم في الثورة الليبية والتي صادف يوم 17 فبراير عيدها الأول.  وقد تم إختياري للذهاب إلى "مصراته" ليبيا لمساعدة الطلبة على الكتابة و التعبير من خلال ورشة العمل هذه.

تجربتي مع الطلبة و الطالبات في "مصراته" ليبيا كانت فعلاً رائعة تعلمت منهم الكثير و استمتعت بالعمل معهم و تشرفت بمعرفتهم, كما أن الشعب الليبي بشكل عام أذهلني بشهامته و كرمه و جوده, و قد تركت ليبيا وأنا أتوق لزيارتها مرة أخرى.

أريد هنا أن أركز على سبب قيام المجلس الثقافي البريطاني بهذه الورشة و الهدف منها. في البداية يجب الذكر بأن المجلس الثقافي البريطاني يهدف في أي دولة تتواجد فيها أحد فروعه أن ينسق ما بين هذه الدولة (عربية كانت أم أجنبية) و بين المجلس لتنظيم  أحداث, ندوات و ورش عمل تتعلق بالأدب, و لا يشترط أن تقوم هذه الجهود باللغة الإنجليزية فورشة عمل ليبيا كانت باللغة العربية بالكامل. و لكنني وجدت فرع المجلس الثقافي البريطاني في ليبيا نشيطا جدا  و جميع العاملون فيه من المتميزون الذين يطمحون لتنسيق حفلات و ندوات و ورش عمل أدبية على مستوى عالمي.
 أفادني المجلس الثقافي بأن الطالبة و الطالبات في ليبيا قد تعرضوا بلا شك خلال الثورة لظروف صعبة مرعبة رؤوا فيها الكثير من التدمير و القتل والمعاناة والألم و الخوف و القلق . وإنه من الأفضل, و حتى يستطيعوا النظر إلى التجربة بموضوعية , على أمل أنه في يوم ما يستطيعون أن يجتازوها, أن يحاولوا التعبير عن هذه التجربة بصورة إيجابية, خصوصا" أن الكثير منهم قد فقد أب, أو أخ أو صديق.. و هناك من تعرض لصورة أو أخرى من العنف, فهناك من حرق منزله أو دمرت مدرسته أو جرح في جسده.  أما الآن و قد عادوا إلى مقاعد الدراسة فهناك الكثير من الحزازات و الأحقاد السياسية, لأنه في كل مدرسة يوجد مجموعة من أبناء الثوار و لكن هناك أيضا أبناء المؤيدون للنظام البائد و هناك فئة من الذين دورهم كان سلبياً أثناء الثورة فلم يحركوا ساكناً لكنهم هربوا إلى مكان آمن حيث لا تمسهم الشظايا و لا تطالهم أصوات المدافع. و ما يحدث أنه بسبب التضحيات العظيمة التي قدمها الثوار إلى ليبيا  (فهناك من قدم الروح و هناك من فقد بصره, سمعه, رجله أوذراعه) فغيرة أبناء الثوار على وطنهم و التجربة المرعبة التي مروا فيها تجعلهم يكرهون من هو بعكسهم لم يقدم شيئاً و يأتي اليوم ليتغنى بالثورة و الحرية و الوطن, و بسبب ذلك تحصل خلافات و اصطدامات كثيرة بين الطلبة تنتهي في معظم الأحيان بالعنف اللفظي أو الجسدي. إلى جانب ذلك كله فالطالب مطالب بالتحصيل العلمي و النجاح الأكاديمي , و هناك صعوبة في تحقيق ذلك نظراً للظروف التي مر بها ليس بالزمن البعيد, فذللك كله وجدت الكثير من المدارس أن هناك حاجة كبيرة لإعادة تأهيل هؤلاء الشباب, الإستماع إلى همومهم, محاولة فهم مشاعرهم و غضبهم و إيجاد وسائل للحوار و تشجيعة و مساعدة هؤلاء في التعبير عن ألامهم بصورة إيجابية ليس بالعنف, الضرب, الشتم و التصغير , بل بالتعبير الكتابيي الجمالي من شعر و خواطر. أيضاً رآى المجلس الثقافي البريطاني أن وجود شخص أجنبي لا ينتمي إلى أي من الأطراف المتعاركة يضفي شيئاً من التوازن, فعندما أشارك أنا الطلبة في ليبيا على الكتابة و التعبير, و هم يعلمون بانه ليس لي علم بخلافاتهم الداخلية, فأنا أنظر لهم جميعا بأنهم  ينتمون لشعب واحد مروا جميعاً بالتجربة ذاتها,  فلا فرق عندي لأي قبيلة ينتمون و من أي منطقة ينحدرون,  فهذا أيضاً يساعدهم على نسيان أختلافاتهم و يساعدهم على توجيه طاقتهم بإتجاه الإبداع الكتابي الإيجابي.

إن ما فعله الطاغية من جرم  و عبث و تدمير لم يكن فقط على المستوى السياسيي و الإقتصادي العام لليبيا من إستفزاز و إستهزاء بدول أخرى و سوء معاملتها, أو من عدم إستيعاب و عدم إستغلال أو تقدير القدرة الهائلة التي تملكها ليبيا كدولة من ثروات سواء كانت طبيعية أو بشرية و تركيزه فقط على إستنزاف الثروة النفطية التي تملكها الدولة . و لم يكن ظلمه و بطشه منصباً فقط على أجساد شعبه فيحبس و يعذب من يشاء و يدمر بيت من يشاء و ينفي من يشاء متى شاء من دون ذنب أو محاكمة عادلة,  بل إنه قد طغى على عقولهم أيضاً, فلا أحد يثق بأحد و لا أحد يستأمن بأحد, لقد طال جبروته أعضاء الأسرة الواحدة, فلا يبوح الزوج لزوجته عن رأيه السياسي, و تخشى الأم أن تعبر عن ما يقلقها أو تخشاه لأولادها, لأنه و من شدة طغيانه و كرهه للحرية و الرأي و الثقافة و حبه للسلطه و خوفه من شعبه قد سلط الأخ على أخيه و الإبن على أبيه و الحفيد على جده و الجار على جاره.
قد عاش الشعب الليبي تحت حكمه الظالم  في خوف دائم و ظلام مستمر حيث سلبت منه كل حقوق التعبير و إبداء الرأي و بات لا يعرف سوى القلق و إنعادم الطمأنينه و الراحة, بات كل فرد من أفراد الشعب الليبي متيقناً أنه إن أراد يوما أن يبوح بمدى الظلم و الكبت الذي يعيشه في بلدة سوف يتعرض هو و من يحب للقتل التعذيب أو الشنق.


أعود ثانية لورشة عمل "مصراته" و كم استمتعت بصحبة هؤلاء الأبطال الشباب الذين تعلمت منهم أكثر بكثير مما علمتهم, و قد استطعنا خلال مدة الورشة (4 أيام) أن نكتب أشياءاً رائعة, و قد تبادلنا الأفكار و الآمال. و في اليوم الأخير من الورشة (15 فبراير) قمنا باستعراض لإدارة المدرسة (الني تقام فيها الورشة) و مجموعة من الصحفيين و ممثليي وزارة التربية لقدراتنا الإبداعية و قد سعدت كثيرا عندما رأيت الطلبة و الطالبات و قد ارتسمت على وجوههم الثقة بالنفس و قد أدوا قصائدهم للحضور من دون الورق (عن ظهر غيب) و فرحوا بإنجازهم ووعدوني بأنهم لن يتوقفوا عن الكتابة أبداً ووعدتهم أنا بأنني لن أنساهم أبداً.


مفردات ليبية:

حوت:  سمك (استغربت عتدما قدم لي أحدهم سندويش "تونا" و قال لي أن بداخلها حوت!!)

اشبح:  أنظر بقوة أو بالكويتي (أخز)
    

ملاحظة : بعض الصور المتعلقة بالرحلة, بورشة العمل, مصراته و زيارتي القصيرة لطرابلس موجودة على حسابي في تويتر و فيس بوك