14 May 2018

ملفات محفوظة


بعد أن تخرّج وصار مُحَقِقاً، زارني أحد طلابي السابقين، يحكي لي عن عمله، كيف أنه بشكل يومي يتلقى شكاوي التحرّش الجنسي. يقول لي: "تأتي الأم مع ابنتها، وتبدأ البنت بشرح ما حصل، وعندما تنتهي، أنصحهما أنه من الأفضل عدم المضي بالشكوى وتحويلها إلى قضية، لأن ذلك سيضر بمصلحة الفتاة، لأنها يوماً ما سترغب بالزواج، وأن العريس سيسأل ويستعلم عنها وعندما يكتشف أن هناك قضية تحرّش جنسي، حتماً سيلوم الفتاة ولن يفكر ولو للحظة أنها قد تكون ضحية أو مجني عليها، كل ما سيراه أنها فتاة سيئة وسيعزف عن الزواج منها. فتقتنع الأم والفتاة، وتُحفظ الشكوى، ولا يتم تحريك ساكناً"
أردتُ أن أصرخ في وجهه، لكن لم أفعل، أردت أن أشدّهُ من ياقته وأهزّه بعنف وأن أصرخ "ما بكم أنتم أيها الذكور؟ ما بها عقولكم؟ أو هل لديكم عقول أصلاً؟ أم أن رؤوسكم هذه ليس فيها إلاّ أساليب لقمع المرأة، لإسكاتها، لربط عفتها بكل خسيس دنيء، لئيم يتعرّض لها ويلمسها من دون رِضاها ومن دون وجه حق؟ إلى متى تتحمل المرأة جُرم الذكور، وقذارتهم، ووقاحتهم، وانعدام انسانيتهم؟ إلى متى: "لا تفعلي كذا وإلاّ الرجل لن يرغب بالزواج منكِ، ولا تقولي كذا وإلاّ الرجل لن يرضى بكِ". لماذا على المرأة أن تصمت مهما كان حجم الظلم الذي وقع عليها، أن تصمت وتكتم الظلم الذي يدهسها في كل يوم في هذا المجتمع الذكوري المقرف، أن تتحمل الاضطهاد، أن تتحمل العنف، والقمع، لكي يرغب بها الرجل، لكي تحصل في نهاية طريقها التعيس، الوعر على ذكر يتمتع بقهرها أكثر، بقمعها أكثر، باضطهادها وتحقيرها أكثر، بقتلها أكثر.  

ملفات محفوظة

فوق أرفف محققي المخافر، في أدراج وكلاء النيابة، داخل خزانات المباحث
هناك ملفات محفوظة، ملفات ورقية صفراء باسم فاطمة، و وفاء، و نور، و روان..
ملفات مهمله تغطيها طبقة كثيفة من الغبار، مصيرها آلة تقطيع الورق
ملفات لا تحمل في طيّاتها أقوال لِمُتّهم، ولا أقوال لِشهود، ولا أي أدلّة
ملفات هزيلة، لا تحتوى إلاّ على ورقة واحدة "أقوال الشاكية"
ملفات مثقلة بالآلام، بالهموم، بالخذلان، بالغضب، والندم، والعذاب
ملفات تشبه أقوال المرأة، مرمية، لا قيمة لها - مجرّد أقوال
ورقة واحدة مغلّفة بكفن الستر والسريّة، مدفونة تحت التحفظ، والنفاق الاجتماعي، والكتمان
أقوال فتيات ونساء: "لمسني، أمسك بي، دفعته عنّي، حاول تقبيلي بالإكراه، حاول اغتصابي، صرخت، ناديت، بكيت، ثم جئتُ إليك، علّك تنصفني"
ملفات ورقية خاوية، ثقيلٌ صمتها، فوق أرفف عتيدة مغبرة مهجورة تشبه ضمير الرجل.