يمكن الإستماع لهذه المقالة هنا:
https://www.youtube.com/watch?v=cPd62KC1Fh8&t=59s
من الأشياء الجميلة في ولاية
"أوهايو" التي أعيش فيها، هي الغابات الشاسعة الكثيفة. كل جمعة أذهب أنا
و ابنتي للمشي مع مجموعة من الأصدقاء في الغابة، تعرّفت على هذه المجموعة من
الأصدقاء عبر برنامج "غوغل ميتس"، "غوغل ميتس" برنامج يساعد
الأفراد على إيجاد آخرين يهوون ذات الهواية التي يحبها، إذا كنتِ تحبين الرسم أو
الحياكة ستجدين مجموعة قريبة منك تجتمع اسبوعياً للرسم أو الحياكة، إذا كنت
تتعلمين لغة جديدة أو العزف على آلة موسيقية وجدتِ مجموعة تجتمع اسبوعياً لتمارس
اللغة أو تتدرب على الموسيقى وهكذا
عندما وجدت هذه المجموعة على
"غوغول ميتس" لم أكن أعرفهم بشكل جيد، ولكن بمرور الوقت تعرفنا على
بعضنا أكثر، كل أفراد المجموعة في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من العمر،
ابهروني بلياقتهم بالرغم من تقدمهم بالسن، يذهبون للمشي لأميال عديدة كل أسبوع،
وأحياناً يقودون دراجاتهم في المناطق الريفية والجبلية. المشي يوم الجمعة نمارسه
طوال السنة حتى لو كان الجو ماطر أو مثلج. في الصيف تلبس النساء
"الشورت" والقميص من دون أكمام، و أرى مدى راحتهن بهذا اللباس، أرى مدى
الثقة التي يشعرن بها وهنّ يبدين اجسادهن بحرية و راحة تامّة من دون الخوف من نظرة
الرجل. هؤلاء النساء لو كانوا في المجتمعات العربية المسلمة الساحقة للمرأة لتم
تغطيتهن في سن صغير وتم تلقينهن أن أجسادهن عار، و خزي، و عيب، وحرام. لتم تلقينهن
أن يشعرن بالخزي من اجسادهن بسن مبكر. ولأنهن كبيرات في السن، لو كن في الأوطان
العربية لتم التنمّر عليهن ومعايرتهن بالتالي: "لماذا تلبسين مثل هذا اللباس
وأنتِ عجوز؟ ألا تخجلين، قدمك في القبر وتلبسين الشورت" و "هل تظنين نفسكِ فتاة شابة يا عجوز
النار" و "أنتِ عجوز وتبدين
جسدك للرجال؟ من سينظر إليكِ أيتها العجوز" و "عذاب جهنم ينتظرك"
وغيره من اللوم و التنمّر والتسفيه والتحقير
كنت أراقب وأنا أمشي مع المجموعة نظرات
الرجال للنساء، ولم أرى أي منهم يتمعن بالنظر لأجساد النساء، لم أر أي منهم يختلس
النظر لمنطقة الصدر أو المؤخرة، كما كنت أرى في ((بلاد الإسلام)) كيف أن الرجل
الذي يقال عنه ((مسلم، متديّن، محترم)) يركز ويبحلق بالنظر على هاتان المنطقتان و يستمر بالبحلقة،
حتى لو كانت المرأة تلبس لباس محتشم، ولا يستحي و لا يهمّه إن كانت المرأة التي يبحلق
بها ترد له النظرة كي يخجل ويزيح عيناه عنها، بل يستمر بالبحلقة بكل وقاحة.
لماذا لا يبحلق الرجل الغربي في جسد
المرأة؟ السبب هو الدين، الدين يستمر في التحريض على الجنس، الدين الذي يحرّم
الجنس خارج الزواج، ويصر على أن الجنس هو مصدر كل شر، وأنه محرّم، وعيب، وعار هو
في الواقع يجعل الجنس مغرياً أكثر في تحريمه، وبإصرار الدين على تغطية المرأة و
اقناعها أن جسدها يغري الرجل وأن الرجل كالوحش لا يستطيع كباح رغباته الجنسية، يشجّع
الدين الذكر المسلم أن يكون فعلاً كالوحش الذي لا يستطيع كبح شهوته أمام جسد
المرأة. بتحريم الجنس، يصبح الجنس الشغل الشاغل للفرد في المجتمعات المتدينة، لا
يستطيعون التفكير أو التركيز على أي شيء آخر غير الجنس، تماماً كالحرمان من الطعام
بسبب الصوم أو بسبب الحمية الغذائية، بمجرد أن يحرم الفرد ذاته من الأكل حتى يصبح
غير قادر على التركيز على أي شيء آخر غير الأكل. بينما عندما يكون الفرد حر، يأكل
ما يشاء متى ما يشاء، ويكون الطعام متوفر، لن يفكر بالأكل بشهوة أو برغبة شديدة،
سيأكل فقط عندما يجوع، لأن عامل الحرمان اختفى. يستمر الدين بجعل الجنس الشغل
الشاغل للفرد باستمراره بجعل الجنس "تابوه"، بتحريم الإختلاط بين
الجنسين، وبتحريم جسد المرأة، وتغطيته تحت كومة من الأغطية السوداء، وتحذير الرجل من
النظر للمرأة، وأن عليه أن يتحاشى المرأة، والتحذير من اللقاء بين الجنسين،
والتحذير من الصداقة بين الجنسين، يستمر الدين بصب الوقود على نار الجنس وجعل
الجنس مغري، ومثير، ومشوّق. بينما في المجتمعات التي ابتعدت عن الدين، المجتمعات
المنفتحة التي يصادق فيها الرجل المرأة ويرى الرجل فيها جسد المرأة تتبخّر فكرة الجنس.
كما لو كان الأكل دائماً متوفر وليس هناك من هو مضطر لحرمان ذاته من الأكل.
بعد عدّة لقاءات مع المجموعة التي أمشي
معها عرفت أن "فيكي" التي دائماً تأتي بصحبة "مايك" غير
متزوجة من "مايك" لكنهم مرتبطين ببعضهم البعض، و كذلك "كلير"
و "ديفد" أيضاً غير متزوجان وتربطهم علاقة مليئة بالحب والاهتمام،
"فيكي" و "كلير" لستا صغيرتان في السن، "فيكي"
معلمة تاريخ متقاعدة، و "كلير" ممرضة متقاعدة، وبعد زواجهما الأول الذي
انتهى بالطلاق، و بعد تربيتهن لأبناءهن و ذهاب أبنائهن لبدء حياتهم، والانشغال
بوظائفهم، "فيكي" و "كلير" بدأن أيضاً حياتهن من جديد، "فيكي"
تعيش في بيتها الخاص و "مايك" صديقها يعيش أيضاً في بيته الخاص، و مع
ذلك يحب كل منهم الآخر، بينهم أشياء مشتركة، يخرجون مع بعض، وفي ذات الوقت لكل
منهما حياته الخاصة، لكل منهما خصوصيته، وبيته واستقلاليته، فارتباط الرجل بالمرأة
لا يجب أن يكون في كل يوم و كل ساعة، والمرأة ليست مضطرة للعب دور واحد فقط في
حياة الذكر وهو أن تكون زوجته، تعد طعامه، وتنظف بيته، وتهتم بأبنائه، بل يمكن أن
يكون لكل منهما هواياته التي قد لا يحبها الآخر، فيفترقان ليوم أو يومان ثم يعودان
للقاء مرة أخرى.
للمرأة حياة بعد أن تتقدم في السن، حياتها لا
تنتهي ببلوغ سن الأربعين، أو الخمسين، أو الستين، أو حتى السبعين، لها أن تعيش،
وتسافر، وتمارس هواياتها، وتكوّن صداقات، والقيام بكل الأشياء التي كانت ترغب
بعملها عندما كانت مشغولة بوظيفتها وبتربية ابناءها الصغار. "فيكي" تحب
أن تحكي لي عن ابنها الذي يعمل في مدينة "سانفرانسيسكو"، وابنتها التي
تعمل في دينة "بوستن"، تسافر إليهم أحيانا و أحياناً يزورانها، تفتخر
بهم، لأنهم ناجحون ويشغلون وظائف مطابقة لطموحاتهم، ومع ذلك أبناءها ليسوا محور
حياتها، لا تفكر بهم في كل ساعة من كل يوم، لديها نشاطاتها، وأصدقائها، تتطوّع في
المؤسسات الخيرية، تمارس الرياضة، وتخرج للعشاء، و تحب العزف على آلة الكمان التي
بدأت بتعلمها مؤخراً، وتحب القراءة، وتمارس اليوغا، وتحب السباحة ، ولا يقال لها:
"اذهبي يا عجوز و اجلسي على سجادتك وفكري بعذاب القبر"، لا يقال لها:
"و من سيرغب بكِ أنت أيتها العجوز"، لا يقال لها: "ماذا يعني تريدين
أن تعيشين حياتك؟ أي حياة؟ حياتك هم أبناءك، ومن بعد أبناءك أحفادك، اهتمي بهم حتى
تنتهي حياتك."
المرأة في المجتمعات العربية لا تعيش
لذاتها تعيش من أجل الآخرين، بمجرد بلوغها سن الإدراك يقال لها أن البنت الصالحة
هي التي تساعد والديها في البيت، تتعلم التضحية بنفسها لإرضاء الأسرة، تهتم
بأخوتها لإرضاء الأسرة، تدرس تخصص لا ترغب به لإرضاء الأسرة، تعمل في مكان تكرهه
لإرضاء الأسرة، تتزوج ممن لا تعرف، وممن لا تحب لإرضاء الأسرة، تنجب لإرضاء
الأسرة، حتى بعد أن يكبروا ابناءها، يستمرون بالاعتماد عليها بدلاً من
الاستقلالية، تهتم بأبناء أبناءها، ومن يتطلق أو يترمل من أبناءها يعود ليعيش في
بيتها، مسؤوليتها لا تنتهي، حتى يوم مماتها تستمر بالتربية و بالطبخ و التنظيف
والقلق و التضحية للأبناء والأحفاد.
لننظر لزواج المرأة في المجتمعات
العربية المسلمة نرى أنه مبني على الإجبار، الزواج هو قدر المرأة الوحيد، منذ
طفولتها تسمع الناس يقولون لأمها "انشا لله تشوفين ابنتك عروس" أو
"تفرحين فيها عروس"، لا يقال: "انشا الله تحقق كل طموحاتها أو
أحلامها" لا يقال ذلك لأن طموحها الوحيد يجب أن يكون الزواج.
في الكثير من الأحيان لا تدري الفتاة
ما إذا كانت حتى ترغب بالزواج، كل ما تعرفه أنه يجب عليها أن تتزوج، لا يوجد خيار
آخر غير الزواج. حتى يتبرمج في ذهنها أنها إذا لم تتزوج فسيكون ذلك نوع من الإخفاق
نوع من الفشل في الحياة، وأن عدم زواجها يعني العيش في بؤس وحزن، ويقودها ذلك
أحياناً لترضى بأي فرصة وبأي رجل مهما كانت عيوبه، حتى يصل الأمر أن ترضى برجل
متزوج، ترضى بذل الزوجة ثانية، على أن لا يقال عنها "عانس". يتم برمجة
الفتاة أن الزواج هو السعادة الوحيدة في الحياة حتى تبدأ بتصديق ذلك، بالرغم أنها
ترى كل المتزوجين من حولها تعساء ويعيشون حياة مليئة بالمشاكل التي لا تنتهي.
بالتأكيد أن هناك الكثير من النساء
اللاتي يرغبن بالزواج وتكوين أسرة، ولكن في المجتمعات العربية إذا قالت المرأة
أنها لا ترغب بالزواج أو أنها لا ترغب في الإنجاب، لأن عاطفة الأمومة لديها ليست
قوية كبقية النساء، يقال عنها "معقدة" أو "غير طبيعية". ويقال
لها أنها ستندم إن لم تتزوّج، لأن الزواج والإنجاب هم سعادة المرأة الوحيدة في
الحياة. مهما كانت المرأة عاقلة، ناضجة، مثقفة، ومدركة، لا يصدقها المجتمع إن أبدت
رغبتها بالامتناع عن الزواج أو الإنجاب، وكأن المرأة طفلة سفيهة، غير قادرة على
اتخاذ قرار مصيري يمسها هي ولا يمس أحد سواها، ففي المجتمعات العربية المسلمة التي
تدعي أنها ((كرّمت المرأة)) ينظر للمرأة دائماً على أنها قاصر، جاهلة، لا تملك
الوعي، أو الدراية الكافية لتتخذ قراراتها بنفسها، هي طفلة حمقاء حتى لو بلغت
الأربعين، ويجب التحكم فيها واجبارها من قبل الأسرة والمجتمع على ما لا تريد،
المجتمع والأسرة هم من يحدد لها مصلحتها وليست هي من تحدد ذلك. والغريب أن هذا
المجتمع العربي المسلم الماسوجيني الذي يعامل المرأة على أنها غبية ولا تعرف مصلحتها،
ولا تميّز بين الصح والخطأ هو ذات المجتمع الذي يقول للمرأة أن مسؤوليتها الأولى
هي تربية الأجيال واعدادهم للمستقبل، كيف تكون المرأة سفيهة ولا تعرف مصلحتها وفي
ذات الوقت مسؤولة عن تربية وإعداد أجيال المستقبل، كيف لا تملك الفطرة والحكمة
الكافية لتحديد ما هو بمصلحتها، ولكنها بالفطرة تعرف ما هو في مصلحة الأطفال الذين
ستربيهم.
ويحصل في هذه المجتمعات الحاطة للمرأة
نوع من المنافسة وكأن هناك سباق على الزواج، فكل فتاة تريد أن تسبق الأخرى وكأن
الزوج جائزة، أو كأن اللاتي تزوجن حققن نوع من "البريستيج" و يجب على
التي لم تتزوج بعد أن تسارع في تحقيق هذا "البريستيج"
الذي هو ليس إلاّ وهم. تتعمد هذه
المجتمعات العربية على خلق هذا النوع من التنافس بإيهام المرأة بأن هناك عدد قليل
جداّ من الرجال الصالحون، وهذا العدد القليل من الرجال لديهم شروط كثيرة لمن
سيختارونها كزوجة، يجب أن تكون صغيرة في السن، يجب أن تكون متدينة، أن تكون "طاهرة"
أي لم يسبق لها معرفة رجل، تبالغ بإظهار الدين، تبالغ بالخجل، تبالغ بالخوف، محتشمة
ومتغطية. وأن هناك آلاف من النساء اللاتي يتمنون الزواج من هؤلاء الرجال و تتكرر
مقولة "ألف من تتمناه" وعندما يكون العرض أقل من الطلب، أي عندما يتم
إيهام النساء أن هناك عدد قليل من الرجال الصالحون، وعدد كبير من النساء اللاتي
ينتظرن هؤلاء الرجال للتقدم لخطبتهن، و أن فترة الزواج للمرأة محدودة ومقصورة فقط
في سن العشرينيات، يحصل تنافس كبير لدى النساء في من ستحصل على زوج، و يُخلق وهم
جديد لدى المرأة أنها يجب أن تسارع و ترضى بأول شخص يتقدم لها وأن تتغاضى عن
عيوبه، ولا تكثر بالطلبات، لأنها قد لا تحصل على فرصة أخرى، ولأنه بسهوله سيتخلى
عنها ويعقد قرانه على أخرى، وتظن المرأة أنها فازت، حتى تبدأ الحياة الحقيقية بعد
الزواج وتكتشف مدى زيف الذكر الذي رضيت به كزوج.
يتم إيهام المرأة أن يوم الزفاف أروع
وأعظم يوم في حياتها من قبل التجار الجشعون الذين يعتاشون على بيع حلم زائف
للمرأة، هؤلاء التجار يريدون المرأة أن تشتري فستان باهظ الثمن، وبوكيه ورد غالي
الثمن، ووضع مكياج، وعمل تسريحة، وحجز صالة، وتجهيز بوفيه بعشرات الآلاف من
الدنانير، فحفلات الزواج هي الخدعة التي لا يمل التجار من استغلالها لتحقيق
أرباحهم، يقومون بذلك عن طريق اقناع المرأة أن يوم زفافها يوم مميز، ليلة العمر، اليوم
الوحيد في حياتها الذي تحدد هي كل ما تريده، كل شيء في حفل زفافها هو على حسب
طلبها ورغبتها وذوقها. حتى تكتشف المرأة بعد ذلك أنها صرفت كل هذه الأموال ليس لها
بل للناس، وليس على حسب ذوقها بل حسب ذوق الناس، لتظهر أنها تنتمي لطبقة مترفة لإثارة
اعجاب الناس، حجز صالة الزفاف لإثارة اعجاب الناس، الفستان الغالي لإبهار الناس، البوفيه
الفاخر والورد، والزينة كله من أجل الناس. عاشت حياتها بأكملها لإرضاء الناس.