يمكن الاستماع لهذه المقالة النسوية هنا
https://www.youtube.com/watch?v=0zyeQmlYa5A&t=17s
تحمل الكثير من النساء الفكر الماسوجيني
المبطن أو المكتسب، دون أن تعي ذلك. تكتسب النساء هذا الفِكر من الذكور، لا
شعورياً، عن طريق ترديد عبارات وتصرفات ذكورية يتشربها العقل الباطن للمرأة عن
طريق التلقين والبرمجة، تصبح المرأة ذكورية تستخدم أقوال وعبارات تقمع وتستحقر
فيها المرأة من دون أن تدرك ذلك.
تصف امرأة امرأة أخرى بأن "لسانها
طويل"، لماذا تستخدم امرأة هذا الوصف ضد امرأة أخرى؟ لأنه تم تلقينها منذ
الصغر أن المرأة يجب أن تكون صامتة هادئة. الذكر العربي يكرر على مسمع المرأة بأنه
يكره "المرأة ذات اللسان الطويل" وما يعنيه بذات اللسان الطويل هي تلك ذات
الشخصية القوية التي لا تتفق معه أو تجادله بآراءه، أو المرأة التي لا تغض النظر
إن أخطأ بحقها، المرأة التي تدافع عن حقها و تقف بوجهه إن أساء معاملتها. هذه
المرأة بالنسبة للذكر العربي "لسانها طويل" لأنه يظن أن المرأة يجب أن
تعامله كآلهة، تطيعه طاعة عمياء، لا تجادله، تتفق معه بكل ما يقول، تبرر له عنفه
وقسوته عليها، وغالباً ما يضيف الذكر أن تلك المرأة ذات اللسان الطويل
"لسانها يحتاج للقص أو التقصير". الفتاة تسمع هذا الوصف باستمرار فتكبر
على الفكر الماسوجيني بأن عليها أن تكون صامتة، لا ترد، لا تجادل، لا تطالب
بحقوقها، تنصت وتطيع وتقول "حاضر" تتغاضى عن تعنيف الذكر وتعتبر تعنيفه
أمر مقبول وطبيعي.
هكذا يتم ترويض المرأة، تكبر فتبدأ برؤية كل
شيء من المنظور الذكوري الذي تم برمجتها عليه، فإذا رأت امرأة تتكلم بحرية، أو امرأة
تطالب بحقها من دون خوف أو حياء، أو امرأة متمردة على المجتمع الذكورية الذي
يقمعها ويحد من حريتها، أو امرأة تتجرأ على قول ما لا تستطيع هي قوله لأنها تخشى
تعنيف الذكر، وصفتها "بأم لسان طويل"
هذه الذكورية المتشرّبة في عقل المرأة. تسمع
الفتاة الذكر يهين امرأة تعدت الثلاثين من العمر بالعجوز، فتبدأ هي بإهانة امرأة
أكبر منها بوصف "عجوز" لأنه تم برمجتها في المجتمع الذكوري أن قيمة
المرأة فقط في شكلها، فقط في جمالها وصغر سنها، وشبابها، فهي في المجتمع الذكوري
مجرّد جسد، ما أن يكبر هذا الجسد وتبدأ علامات التقدم في السن بالظهور عليه تنتهي
قيمتها. إن لم تكن الفتاة متزوجة، بسن الخامسة والعشرين تبدأ أمها بتحذيرها أنه لن
يرغب أحد بالزواج منها إن لم ترض بمن تقدم لخطبتها مهما كانت عيوبه، فالأم أيضاً
تم برمجتها من قبل الجدة، والجدة من قبل جدتها وهكذا بأن التقدم بالسن يسلب المرأة
قيمتها. والمرأة في المجتمعات الذكورية العربية تبالغ بالمكياج، وتبالغ باللباس،
وتبالغ بالتزيّن، لأنها انصاعت للفكر الذكوري بأنها مجرد شيء، جسد ووجه متزيّن من
أجل إرضاء وجذب الذكر.
عندما تهين امرأة امرأة أخرى بأنها مطلقة،
لأنه تم تلقينها من قبل الذكر أن المرأة المطلقة سيئة، فالذكر يلقّن المرأة أن
الرجل لا يطلّق زوجته إلا لأنها سيئة، مشيراً بأن الخطأ دائماً من الزوجة، أماّ
الرجل فمنزّه عن الخطأ. نرى أم تمنع ابنها من الزواج من امرأة مطلقة، لأنها تشربت
الفكر الذكوري تماماً وانصاعت لنظريته بأن المرأة المطلّقة كالسلعة المستعملة
المستردة بسبب عيب فيها.
عندما تهين امرأة امرأة أخرى بأنها لم تنجب
بالرغم من مرور سنوات على زواجها وذلك لأنه تم تلقينها أن سبب وجود المرأة في
الحياة هو الإنجاب، تم تعليمها أنه لا قيمة للمرأة مها تعلمت واجتهدت طالما لم
تنجب، فهي ترى المرأة كما لقنها الرجل على رؤيتهاً، جسد وجد لمتعة الذكر ولإنجاب
ذرية الذكر. وعندما تفرح المرأة بانجاب ذكر وتقول أنها تفضّل الأولاد على البنات،
هذه أيضاً ماسوجينيية مبطنة تم تلقينها على تفضيل المولود الذكر في المجتمع
الذكوري.
عندما تعاير المرأة امرأة أخرى بالقبح أو
السمنة أو اسمرار البشرة، هذه كلها معايير جمال وضعها الذكر، فالمرأة بالنسبة
للذكر هي فقط الجميلة، النحيلة، ذات البشرة البيضاء، التي لا تتمتع بهذه الصفات
غالباً تكون محط استهزاء وتحقير الذكر، أتذكر تغريدة تداولها كل الذكور قبل سنوات، التغريد كالتالي: "عزيزي
الشاب أحذر أحذر من هذه الجملة "آنا
شوية سمرة و شوي مليانة" ويقصد هنا الفتاة التي تقول للذكر عبر الهاتف أنها
سمراء قليلاً وأنها ليست نحيلة، فهي غالباً ما تكون سمراء و سمينة وبالتالي فهي قبيحة
من المنظور الذكوري، وكان الذكور يضيفون على هذه التغريدة التالي "اسحب عليها
تراها "خالة" تراها "تاير" و أحدهم يضع صورة
"خنفساء" مشيراً أن المرأة السمراء كالخنفساء. الكثير من الفتيات ضحكن
على التغريدة وأعدن تغريدها، لأنه تم تلقينهن أن تنمر الذكر على المرأة بسبب شكلها
الذي لم يكن لها أي دور باختياره أمر طبيعي ومقبول.
عندما تقول امرأة "بس هو رجل لازم تحترمينه"،
أو بالفصحى "هو رجل ويجب عليكِ احترامه" هذه أيضاً ذكورية مبطنة، فالذكر
يلقّن المرأة أنه يجب عليها أن تحترمه لمجرد أنه رجل. الإنسان لا يستحق الإحترام
لمجرد أن ولد بعضو مذكر، الإنسان يستحق الاحترام سواء كان رجل أو امرأة إن كان
محترمأً بسلوكه، الاحترام امتياز يكتسبه الإنسان إن أثبت أنه يستحق الاحترام، وليس
امتيازاً يولد به.
مثال آخر على
الماسوجينية المبطنة، عندما قالت الناشطة السعودية مشاعل الجلعود في مقابلة "بأن
الرجل أعلى درجة من المرأة"، مشاعل تطالب بحرية المرأة بالسعودية لكنها لازالت
تحت برمجة المجتمع الذكوري الذي لقنها منذ الصغر أنها أقل من الذكر. مشاعل لازالت
ترى ذاتها كما يراها الذكر بأنها مجرّد جسد، مشاعل خلعت العباءة وتطالب بحرية
المرأة باللباس لكن عقلها لايزال مغلفاَ بالعباءة التي فرضها عليها الذكر بأن
الذكر أعلى منها.
أو عندما
نتكلم عن جرائم الشرف وعنف الرجل على المرأة، فتسأل الفتيات "لماذا قتلها
أخوها، ماذا فعلت؟ أكيد فعلت شيء يبرر القتل" أو "لماذا ضربها والدها؟"
أو "لماذا ضربها زوجها، ماذا فعلت؟" هؤلاء الفتيات تم تلقينهن أن المرأة
تستحق الضرب وتستحق عنف الذكر و يحق للذكر قتلها إن هي خرجت عن طاعته، ولذلك بدلاً
من استهجان الجريمة و بدلاً من رفض العنف، ومحاربة العنف ضد المرأة، يبحثن هؤلاء
الفتيات عن السبب الذي يبرر عنف الذكر على المرأة، لأنهن انصعن تماماً للآيدولوجية
بأن للذكر الحق في تعنيفهن وقتلهن إن هنّ خرجن عن طاعته.
عندما تقول المرأة للمرأة "ارتدي ملابس
محتشمة ولن يتجرأ الرجل على مضايقتكِ" هذه أيضاً ذكورية مبطنة، يلقن الذكر
الفتاة منذ سن صغير أنها إن لم ترتدي ملابس محتشمة، فهي تدعو الذكر للتحرّش بها،
لا بل تستحق التحرشِ و المضايقة والاغتصاب، لأنها هي من دعت الذكر لاغتصابها بسبب
عدم احتشامها. وقد نجح الذكر بتوثيق هذه الكذبة في الدين أيضاً، في كل الأديان
السماوية (الإسلام والمسيحية واليهودية) فرض الذكر على المرأة الاحتشام في الكتب
التي يدعي أنها كتباً سماوية منزلة من الله، بأن الحشمة أفضل للمرأة وأن المرأة
الغير محتشمة تتعرض لمضايقة الرجل وتحرّشه واغتصابه، بل وغضب الآلهة وعذاب الآخرة.
الذكر يعرف حق المعرفة أن الاحتشام كذبة أوهم بها المرأة. فهو يتحرّش بالمحجبة
والمنقبة والخادمة وحتى بالطفل والحيوان، لكنه لا يتجرأ بالتحرش بالمرأة الغربية
عندما يسافر للغرب، بالرغم أن المرأة الغربية غير محتشمة، لأنه يعرف أن مصيره
السجن والعقاب، وأن المرأة الغربية لن تصمت إن مسسها أو ضايقها. أما في بلده فقد
أمن العقوبة، فلا وجود لقوانين تردعه، وضمن سكوت المرأة العربية لأنه تم ترويضها
على السكوت والخوف، وعدم البوح إن هي تعرضت للتحرّش، لذا فهو يتحرّش
كما يشاء.
الاحتشام كذبة أوجدها الذكر "مدعي"
الدين ليتحكم بالمرأة ويحد من حريتها. للقمع أشكال كثيرة، لكن أسوأ أنواع القمع هي
عندما يُقنع القامع، المقموع، بأن قمعه له هو من مصلحته، اجبار المرأة على التغطية
قمع، والذكر يغطي المرأة ثم يقنعها أن تغطيته لها هو من مصلحتها. يغلّف الذكر قمعه
للمرأة بغلاف الدين وبأنها أوامر الله، وترضخ المرأة لهذه الأكاذيب لأنه تم
برمجتها على الخضوع والخنوع والرضوخ وعدم المجادلة.
يُقنع الذكر المرأة أن المرأة الحرّة، الغير
محتشمة ساقطة ولا تحصل على احترامه لكنه في الواقع يتابعها بالسر، و يبحث عنها،
ويستمتع برؤيتها، و يريدها، و يرغب بها، لكنه يعرف أنها لن ترضخ لأكاذيبه و معاييره
الازدواجية، ولن تطيعه كما تطيعه تلك المبرمجة على الطاعة المغلوبة على أمرها.
يقنع الذكر المرأة بأن المطالبة بخلع الحجاب أو النقاب أو العباءة تفاهه وانحلال
وانحطاط من قبل بعض النساء، لكنه هو ذاته يستمتع بلبس "شورت" ويستمتع
بعرض جسده، ويستمتع بعرض شعره، ويتباهى بشكله ويفرح بنظر المرأة إليه، واعجابها
به، ولن يقبل أبداً التغطية بالرغم أنه يعلم لأن المرأة تنجذب لشكل الرجل وأن
المرأة كالرجل تشتهي وتتخيّل وترغب.
