26 Feb 2018

مسميّات أخرى


أَصِل إلى مطار الكويت بعد إجازة قصيرة في أبو ظبي.. الفرق شاسع! من مطار أبوظبي الضخم، اللامع، الحضاري، الراقي، المجهّز بأحدث التقنيات، ذو الأرضيات البرّاقة، والصالات الفسيحة، المجهزة بكافة الخدمات وسبل الراحة، والتعامل اللطيف، المهذّب من قِبل الموظفين والموظفات الإماراتيين والأجانب على السواء. إلى هذا المكان..! هذا الذي يسمونه مطار الكويت، أهو حقاً مطار لدولة غنية متحضرة؟ أم هو مزحة ثقيلة!؟ مزحة تعيسة استمرت لفترة أطول مما يجب!؟ الممرات الضيقة، المتسخة، سلة المهملات التي تطفو منها النفايات وتقبع على الأرضيات، الحمامات القذرة، أعقاب السجائر المرمية في كل مكان، الأجهزة المهترئة، الأرضيات والجدران المتهالكة، وجوه الموظفين العابسة، تعاملهم الكريه، العماّل الأسيويين بملابسهم الرثة ومظهرهم المخزي، يلاحقون الناس طلباً للبقشيش، أجهزة تفتيش الحقائب التي تعود للقرن الماضي!
كان هدفي من السفر أن لا أشهد ما يسمونه باحتفالات "العيد الوطني". لكن بسبب العمل، وعودة صغيرتي للمدرسة اضطررت للعودة.
يسمونها بلد الخير، وبلد الإنسانية، لكن هناك مسميات أخرى أكثر ملائمة..
بمجرّد خروجي من باب المطار، أمسكُ ابنتي بيد، وحقيبة السفر بيدي الأخرى، كان هناك مجموعة.. لا أستطيع تسميتهم رجال.. كانوا يلبسون الدشداشة، نعم! والغترة والعقال، ووجوههم الكريهة يملأها الشعر، نعم! لكن من الصعب تسميتهم بالرجال، لأنهم كانوا يقفون عند باب المطار يدخنون السجائر بشراهة، يلقون أعقابها في الشارع، يطيلون النظر بالنساء، يحدقون في أجسادهن، ويلقون بالتعليقات المقرفة عليهن، هذا هو أوّل منظر مقرف تراه امرأة وصلت للتو إلى الكويت، لذا أظن اسم "بلد الذكور" أكثر ملائمة.. في الشوارع كان هناك أيضاً الكثير، الكثير من الذكور يحتفلون بعيد وطنهم الغالي، يرقصون على ألحان أغاني أجنبية وعاطفية عن طريق هز مؤخراتهم، وتصوير أنفسهم وهم يهمّون بهز مؤخراتهم، بكل فخر واعتزاز. نعم "بلد الذكور" ملائم.
في الشوارع أطفال يلقون بالونات مليئة بالمياه على السيارات المارّة، يعرضون أنفسهم وسائقي المركبات للخطر، وشاهدت امامي قائد مركبة يتفاجأ ببالونه مياه، ويصطدم بالرصيف بسبب المفاجأة.. بلد من الممكن تسميته "خلوهم يستانسون". الأطفال سعداء بعيد وطنهم الغالي ويستمتعون بإلقاء البالونات "خلوهم يستانسون". في الأسبوع الماضي طلاّب كلية الحقوق احتفلوا بوضع الأغاني الوطنية، وعملوا نوع من "الأوبريت" عبارة عن فتيات صغيرات يرقصن على مسرح الكلية على الأغاني الوطنية، ورقصت أيضاً فرقة "العرضة" بالسيوف وضربت "الطيران"، بالرغم أنه لم يمضِ أسبوع على مقتل طالب في الكلية، جريمة بشعة لطالب لم يتكلّم عنها أحد، ولم يناقشها أو يستهجنها أحد.. فقط "خلوهم يستانسون"!
بلد موت، وقتل، وتعذيب الخادمات الآسيويات ووضع جثثهن في الثلاجات! "بلد الجثث المثلجة"، ممكن!؟
بلد تخفيض نسبة القبول في وظيفة "وكيل النيابة" فقط لكي يتم قبول ابنة رجل ذو منصب وابنة أخيه، ويضيع جهد وتعب مئات الطلبة والطالبات المجتهدين، المتفوقين على مر أربعة سنوات، "بلد الواسطة والمحسوبيّة"، ممكن!؟
البلد الذي يلقي فيه الأغنياء بقواربهم ويخوتهم في أي ساحة ترابية! لأن الغني، الذي يملك قارب قديم، يستطيع أن يرميه في أي مكان ويهمله، فهو لا يُحاسب من قِبل البلدية! "بلد القوارب المهجورة" ... ممكن!؟  
البلد الذي يعاني فيه المعاق من اعاقته، ومهانة الحصول على الإعانة الحكومية التي تُصرف له. حيث تمتد طوابير المعاقين وذويهم إلى خارج مركز هيئة شؤون ذوي الإعاقة، زحام، وصراخ، ودموع، بين أسئلة مفادها "ليش وقفتوا اعانة ولدي/بنتي؟" و "إعانتي صارلها أشهر ما انصرفت، ليش؟" و "هاذي خامس مرّة أراجع، كل مرّة تقولون لي، تعال/تعالي الأسبوع الياي! لي متى؟!" حيرة، وحزن، وألم. ووجه الموظفة الغير مبالية وهي تمضغ "العلك" وتدعي أنها تقوم بكل العمل لوحدها، وليس هناك من يساعدها، وأنها ضاقت ذرعاً وستستقيل. " بلد اذلال المعاق".. ممكن!

البلد الذي تتقاضى فيه المرأة راتب أقل من راتب الرجل.. عفواً "الذكر"، بالرغم أن كلاهما يقوم بذات العمل وذات المسؤوليات. والحجة هي أن الرجل.. عفواً "الذكر" يتقاضى علاوة اجتماعية لأنه هو المسؤول عن الصرف على اسرته، لكن المحاكم ستنفجر من النساء اللاتي يصرخن، ويبكين من استغلال أزواجهن المادي لهن، وتحملهن لكافة مصروفات الأسرة، من مسكن، ومأكل، وملبس. ثم تلجأ المرأة بعد سنوات من الشقاء للمحاكم لتطلب من رجل آخر، عفواً "ذكر آخر" أن ينصفها ويمنحها حكم نفقة، لأن "الذكور" في بلد الخير والإنسانية لا ينفقون على أبنائهم ولا زوجاتهم إلاً بحكم قضائي، ووسائل التنفيذ الجبري، ومنع السفر، و الضبط والإحضار.
لنعود للمسمى الأكثر ملائمة، "بلد الذكور".