31 Mar 2014


إلبس حجاب أختك!


أحد الأشخاص الذين أُتابعهم في موقع "إنستغرام" وهو رجل ناضج، ويحمل ليسانس حقوق، ويعمل في إدارة حكومية محترمة نشر صورة "نعال" أجلكم الله، كانت هذه النعلة مرسومة بأسلوب الكاريكاتير وكانت تُجسد امرأة كويتية ، حيث كانت النعلة واقفة مثل ما يقف الإنسان تماماً، أي كانت مرسومة بالطول وليست موضوعة على الأرض كما يكون الوضع الطبيعي للنعال، وواضعة يدها على خصرها لكي تعطي إنطباع الكبرياء أو العنجهية، ولها ملامح وجه: عينين وأنف وفم، وكانت تخرج من ناحية الفم "فقاعة كلام" التي يستخدمها الرسام كي يدلل أن الصورة تتحدث، وكانت العبارة المكتوبة في الفقاعة: "الحساب خاص، لا أضيف سوى أهلي وأصدقائي". يريد ناشر الصورة أن يقول أن المرأة أو الفتاة الكويتية "نعال" وهو اللفظ الكويتي السوقي والغير محترم لنعت المرأة بالقبح، ومع ذلك تكتب هذه القبيحة أن حسابها خاص وأنها لا تسمح باستضافة متابعين لا تعرفهم، يريد ناشر الصورة أن يبيّن أن هذا هو الحال العام للنساء الكويتيات في برنامج "إنستغرام" الإجتماعي، أنهن في غاية الإنحطاط، فلا يوجد ماهو أقل احترام من النعال، وهن أيضاً قبيحات كالنعال، وغير نظيفات أيضاً كالنعال، ومع ذلك متكبرات ولا يسمحن باستضافة أي متابع غريب. تحت الصورة حصَدَ المحامي المحترم عدد كبير من "اللايكات" وهي جمع كلمة "لايك" أي إعجاب و رضى الكثير من متابعينه أكثرهم من الرجال وبعض النساء، وكان تعليق معظم المارين على الصورة أنها تجسد الواقع وأنها مضحكة جداً لأنها الحقيقة والكثير منهم كتب "ههههههه" أو "كااااااك" أو "لووووول"  ليعبر عن مدى شدة نوبة الضحك التي انتابتهُ عندما رأى الصورة، والبعض كتب "إيي والله" ليؤكد أن الصورة تمثل فعلاً حال الفتيات والنساء الكويتيات في "إنستغرام" . في صورة أخرى نشرها أحدهم (أيضاً رجل كويتي وناضج في السن ويحمل شهادة جامعية) صورة خبر في الجريدة، والخبر صادر من وزارة العدل يحمل إحصائيات زواج، وتُبيّن الإحصائية أن في سنة 2013 كان عدد الذكور الكويتيين الذين تزوجوا من أجنبيات (إناث غير كويتيات) مرتفع جداً، واضع الصورة كتب التعليق التالي على صورة الخبر المنشور: "خل تفيدكم مهوركم الغالية يالجياكر يا السحوت"، ويقصد فيها أن عدد العوانس الكويتيات سيزيد بسبب مطالبتهم بمهر مبالغ فيه على الرغم أنهن "جياكر" أي قبيحات و "سحوت" وهو أيضاً لفظ شعبي منحدر جداً يدل على القبح!

أَدخل على حسابي في تويتر وأقرأ تغريدات بعض الذكور الذين أٌتابعهم فتصيبني الدهشة أكثر، رجال في مختلف الأعمار، ينتمون لأُسر - من المفترض أن تكون – محترمة، الكثير منهم على درجة عالية من العلم و الثقافة والإطلاع فأجد تغريدات كالتالي:

"كويتية قبيحة وسمينة، جسمها يشبه "الكرواسون" تريد مهر 12 ألف دينار! و لبنانية جميلة و رشيقة و غنوجة تقول لك: أريد قلبك و حبك مهر"

"أنجلينا جولي (الممثلة الأمريكية الجميلة والشهيرة) أصبحت في الأربعين من عمرها وجسدها رشيق و جميل والكويتية في العشرون تشبه وحيد القرن"

"نجوى كرم أصبحت كبيرة في السن ولا يوجد حتى الآن عيب واحد في جسدها، والفتاة الكويتية ما كملت العشرين وكأنها "كَبَتْ"، أي تُشبه خزانة الملابس من شدة العرض والسمنة وإنعدام الأنوثة والرشاقة!

إلى جانب ذلك هناك تغريدات لا تعد ولا تحصى تبدأ بالإلفاظ الشهيرة هذه:

"من غباء الكويتية، أنها...."

"من تفاهة الكويتية، أنها...."

"يا إلهي! فيه في الدنيا أغبى و أتفه من الكويتية...."

وعندما زارت الأمريكية الشهيرة "كيم كيرداشيان" الكويت، كان هناك طوفان من الصور في تويتر ومعظم التعليقات تدور حول مقارنتها في الكويتية ذات "الرُكب السود" مع تفوّق "كيرداشيان" على المرأة الكويتية في كل شيء: الجمال، والأناقة، والجاذبية، والمعايير الجسدية.. إلخ  

لا أكتب عن العنف اللفظي والعنصرية ضد المرأة الكويتية الذي صار وللأسف شيء عادي وطبيعي وواقع إجتماعي مقبول عندنا هنا في الكويت لكي أستخدم العنصرية المقابلة أو المعاكسة وأُبدي استغرابي من الرجل الكويتي الذي ينعت الكويتية بالقبح، في حين أنهُ هو في المقابل لا يتمتع بدرجة عالية من الوسامة أو الجاذبية أو الرشاقة ماعدا قلّة قليلة من الرجال الكويتيين، لأن الجمال لم يكن ولن يكون يوماً معيار سليم لتقييم الإنسان المحترم الفعاّل الإنسان المنجز في المجتمع، وكذلك، ولأننا كَبَشَر لا نختار مظهرنا الخارجي، ولو كنّا نستطيع إختيار مظهرنا، لكنا طبعاً سوف نختار الجمال، أهناك من لا يريد أو لا يتمنى الجمال؟ لا لا يوجد. الكل يتمنى الجمال والكل يريد الجمال والكل يلهث وراء الجمال، لأن الجمال نعمة. وإذا كانت المرأة الكويتية تضع الكثير من المكياج  وتذهب للصالون وتنفق كثيراً على وسائل التخسيس، فالرجل الكويتي أيضاً أصبح في العشر سنوات الأخيرة يهتم كثيراً (أكثر من ما مضى) بمظهره الخارجي، فأصبح الكثير من الشباب يرتاد النادي الصحي وينفق الكثير للحصول على جسد رياضي، ذكوري وعضلات، أصبح يهتم بالملابس أكثر و يتفنن في قصات الشعر ويختار نظاراته الشمسية بعناية فهي تُخفي الكثير من عيوب ملامح الوجه، وصار بُقبِل على "التان" التسمير، لأن ذلك يعطيه خشونة ورجولة أكثر، وأصبح يلجاُ للعناير ببشرة وجههِ فيشتري الكريمات ويعمل التقشير في الصالون وغيرها من ملامح الإهتمام بالجسد والوجه. الجمال مطلوب ومرغوب وفي كثير من الأحيان صعب المنال، لذلك أصبح هاجس للشباب والشابات بل وحتى المتقدمين في السن. لكنني أكتُب عن العنف اللفظي الذي يستهدف المرأة الكويتية أكثر من أي وقت مضى في مواقع التواصل الإجتماعي بشكل خاص لأنه أصبح على مستوى لا يُطاق من الظلم والتحقير للمرأة الكويتية، والمؤسف أنه لا يوجد الكثير ممن يستنكر هذه الظاهرة المتفشية أو حتى يبدي رأي بمحاولة الحد منها أو على الأقل تسليط الضوء عليها لتحقيق شيء من التوعية بأن هذه الألفاظ وهذا الوصف الهابط للمرأة الكويتية (والمرأة بشكل عام) سلوك خاطيء ومن المفترض أن لا يستمر، لم أسمع الشخصيات الإجتماعية أو الدينية المؤثرة يتبنى الظاهرة أو يبدي استياءة مما يدور في أذهان وعلى ألسنة الشباب الكويتيين ومما تكتبهُ أناملهم في تويتر وإنستغرام من رأي متدني جداً في المرأة الكويتية وكأن هذه الظاهرة ليست غريبة أو سيئة! كمجتمع كويتي معروف بالنكتة أو كما نقول باللهجة الكويتية "الغشمرة" الكثير يصنف ما يدور في تويتر وإنستغرام من تحقير للمرأة الكويتية والتعدي عليها بالنكتة والدعابة التي لا تجرح ولا تؤذي. لكنني في الواقع أرى أن ما يحصل هو عنف، فالعنف ليس فقط الضرب والإيذاء الجسدي، بل هو أبعد من ذلك، العنف كثيراً ما يكون بمجرد كلمة واحدة، فالكلمة تجرح وتكسر وتؤذي وقد تظل معلقة في أنفسنا مدى الحياة تؤثر على نموّنا العاطفي والنفسي وتعكس نظرتنا اتجاه أنفسنا. 
كلنا كبشر لا ننسى اللحظة التي وصفنا فيها شخص نكن له التقدير والإحترام بوصف إيجابي، الطفل لا ينسى اللحظة التي قال له فيها معلمه أن ذكي أو شاطر، ولا ننسى اللحظة التي قيل لنا فيها أننا نتمتع بجاذبية أو جمال أو أناقة، أو اللحظة التي وصفنا فيها الآخرون بالحكمة أو المعرفة أو الثقافة أو اللباقة أو الفصاحة.. إلخ، تُصبح هذه الكلمات الجميلة وهذا المديح كتاج على رؤوسنا، نفتخر فيها، نُذكِّر أنفسنا فيها إن أصبحت الحياة متعبة أو الظروف أسوأ مما توقعنا، نحملها في قلوبنا تدفئنا إن اشتدت بنا عواصف الحياة، تذكرنا بقيمتنا كبشر. وبالتالي ومن باب أولى أننا لا ننسى كبشر اللحظة التي تم وصفنا فيها الغير بالسمنة، القبح، الغباء، السذاجة، التفاهة، عدم اللباقة أو عندما تتم مقارنتنا بالغير ونخسر المقارنة فقط لأن الغير على درجة عالية من الجمال أو الجاذبية الجسدية... إلخ. 
الكلمات أشياء حيّة تكبر معنا، تعيش معنا، تؤلم وتجرح وتكسر وتؤثر على نظرتنا لأنفسنا وللحياة من حولنا وتحد من ثقتنا بأنفسنا بل وقد تعيقنا في الوصول لأهدافنا الإجتماعية، العلمية، والعملية والعاطفية في الكثير من الأحيان. بل أن الكثير من علماء الإجتماع يصنّف النظرة الغير مقرونة بالكلمات والتي يُقصد منها التحقير أيضاً بالعنف، وبالتالي فالعنف ليس فقط الضرب أو الأذى الجسدي، بل هو كل ما يؤدي إلى أذى بليغ على جسد ونفس الإنسان، سواء كان عن طريق الضرب أو الكلام أو النظر.

وبالرغم من كل هذا الحط من قدر المرأة الكويتية في مواقع التواصل الإجتماعي يؤسفني أنني لم أجد يوماً لا رجل كويتي ولا امرأة كويتية  خصوصاً من المؤثرين إجتماعياُ يتكلم عن مدى تفوّق المرأة الكويتية، فعدد الإناث الكويتيات اللاتي يتفوقن في الثانوية أعلى من الذكور الكويتيين، وعدد الإناث الكويتيات اللاتي يتم قبولهن في جامعة الكويت سنوياً يفوق عدد الذكور الكويتيين، وعدد الإناث الكويتيات الفائقات في الجامعة أعلى من الذكور، وعدد الكويتيات اللاتي يتخرجن من الجامعة أيضاً أعلى من الذكور. لكن بدلاً من إحترامها أو تقديرها أو حتى تشجيعها لا تجد المرأة الكويتية سوى المقارنة المجحفة بينها وبين المطربات والممثلات الشهيرات على الرغم أن الكويتية لا تقل جمالاً عن أي امرأة أخرى في أي بلد آخر، لكنهُ الظلم والإجحاف ومحدودية الفكر والأفق التي تقود الرجل الكويتي لمثل هذه المقارنات الفارغة.

في الكويت (كما هو الحال في الكثير من الدول العربية) إن أردت إنتقاص من قدر الرجل تنعتهُ بالأنثى، فالمرأة تعتبر سُباب، الكثير من الأولاد الصغار في المدرسة قد يستخدمون لفظ "بنت" للحط من شأن رفاقهم الذين لا يتحلّون بشجاعة أو خشونة كافية على حسب معاييرهم. والكثير من الشباب وحتى الرجال يستخدمون هذا النعت لوصف رجل بالثرثرة أوالتفاهة والسذاجة فيقال عن أحدهم: "يثرثر كالبنات" أو إذا بكى أحدهم، يُقال: "بكى مثل البنت". ومن التغريدات التي تظل معلقة في ذاكرتي، كتبها أحد أعلام و الأشخاص المؤثرين في المعارضة عندما اشتد الشقاق بين الحكومة والمعارضة في الكويت في بداية العام السالف 2013  حيث بدأت المعارضة في قيادة مؤيديها للخروج للمسرات ولبس اللون البرتقالي، فكتب هذا المعارض والقيادي داعياً جميع المعارضين  في تويتر : "إذا لم تخرج اليوم للمسيرة فالأفضل لك أن تلبس حجاب أختك"
فأن تكون كأختك فهذه أشد إهانة لك كرجل، من وجهة نظر هذا المُعارِض القيادي الشهير، أن تلبس حجاب وتتسم بالحشمة والعفة هذا انتقاص شديد لرجولتك حسب وصفه! بالرغم أن أختك قد تكون إنسانة رائعة، أختك التي تكن لك كل محبة وبالتأكيد أنتَ أيضاً بالمقابل تكن لها كل محبة وأحترام، ومع ذلك فمن أسوأ الأشياء التي يمكن أن تتصف بها على حد تعبير بعض الرجال، أن تكون مثل أختك. والغريب والمدهش أنه لم يستنكر أحد هذه التغريدة أو هذا الوصف أو السُباب الذي وُجِّه لكل من يتقاعس عن الخروج للمسيرة، على الرغم أن عدد كبير من النساء خرجن للمسيرة تأييداً للفكر المُعارض، لكن يظل وصف الرجل بالمرأة شتيمة، أهانة، إنتقاص 
في مجتمعنا الكويتي.

كمرأة كويتية يحزنني جداً ما آلت إليه عنصرية الرجل الكويتي ضد المرأة، والعنف في رأيي لا يولد إلا مزيداً من العنف، فإذا كُنتَ شخصية قيادية ومؤثرة وتتمتع بشعبية وتستخدم صفات المرأة للحط من قيمة من حولك، فالشباب الذين يصغرونك سناً وينظرون إليك كمثل يحتذى به سوف بالتأكيد يذهبون إلى أبعد من ذلك، لأنهم يتمنون أن يكونوا مثلك ويريدون أيضاً أن ينالوا استحسانك ورضاك. كأُم ومُربية ومُحاضرة في جامعة الكويت، كلية الحقوق أيضاً يحزنني الأمر كثيراً، لأنني أُعلم وأبذل جهد كبير في التعليم، وأُفكر في الكثير من الأمهات اللاتي اجتهدن كثيراً في تعليم أولادهم وشعورهن بالخبية عندما أصبحت نتيجة هذا الجهد أنها كإمرأة، كأُم، كأُنثى، أدنى مستويات السب والشتيمة



ملاحظة: ألغيت حسابي في تويتر و إنستغرام و رأيي المكتوب هنا مسنود بملاحظات سابقة عندما كان لي حساب في تويتر و إنستغرام