قررت في يوم الثلاثاء 1\5\2012 أن أتوجه إلى تيماء و أتظاهر مع إخواني الكويتيين من البدون, وصلت إلى تيماء في الساعة الثالثة ظهراً و تفاجأت بأن هناك مدرعات و دبابة و دوريات و قوات خاصة مسلحة و هليكوبتر, كان هناك جيشاً كاملاً بعداده على الرغم من أن المتظاهرين البدون أعلنوا مراراً و تكراراً أن تظاهرهم سيكون سلمياً. أردت أن آخذ صورة للجيش و هو يستعد لما هو أشبه بمعركة دامية بدلاً من مظاهرة سلمية, و ما أن رفعت كاميرة الهاتف إلى الأعلى و إلا بدوريات تحاوطني و رجال شرطة و مباحث و قوات خاصة, و جميعهم يصرخون في وجهي و بأعلى صوت "ممنوع التصوير" و "لماذا أنتِ هنا" و "من أنتِ" و "ماذا تريدين" ..! عرفت نفسي بهدوء و قلت بأنني دكتورة في القانون العام من كلية الحقوق جامعة الكويت وأنني هنا لأنني أريد مشاركة البدون في مظاهرتهم السلمية, وأردت إلتقاط صورة حتى يرى من ليس هنا في تيماء كيف أن هناك جيش كبير يستعد لردع بضعة أشخاص مسالمين ضعفاء, فقاموا بتهديدي و طلبوا مني أن أرافقهم إلى المخفر وأن أعطيهم هاتفي الذي أردت أن أصور به و أخذوا بطاقتي المدنية و سجلوا بياناتي و هددوني بتهمة التصوير من دون ترخيص! فقلت لهم أنه ليس هناك أي قانون يمنع التصوير و بالتالي فأنا لم أخالف القانون أبداً. فكر العقيد الذي كان يخاطبني قليلاً, ثم قال: "إذا لم يكن هناك قانون يمنع من التصوير فسأذهب بك للمخفر على تهمة مخالفة أوامر رجال الأمن!!" , رديت عليه و قلت له بأنني لم أخالف أي أمر و لكنني أريد معرفة لماذا يتم اقتيادي للمخفر, في هذه اللحظة أتى السيد "مبارك الدبداب" وهو من الناشطين السياسيين الذين لا يتخلفون أبداً عن أي مظاهرة أو إعتصام وطني, و بدأنا نحن الأثنين نحاول إقناع العقيد بأنني لم أرتكب أي جرم. صرخ العقيد في وجوهنا و اتهمنا بأننا نخون أبناء الوطن من الجنود و نضع صور لهم على تويتر لنظهرهم بصورة لا أخلافية و نُشهِر بهم و نقنع الناس بأنهم مخطئون في حق البدون!! قلت له: "إن كنتم ترون أن ما تفعلونه هو الصواب فلماذا الخوف؟" رد علي غاضباً أنه مأمور بالقيام بهذا العمل و أنه مجبور! فرديت عليه و قلت أنه في هذه الحالة اللوم ليس عليه و إنما اللوم على من يوجه له الأوامر. لم يقلل هذا من غضبه و تعنته و أخذ يصرخ: "أنتِ لا تعرفين ماذا يحصل عندما يقوم بعض الأفراد (مثلكِ) بنشر هذه الصور على تويتر, المواطنون يكرهوننا و يمقتونا, و يتعرضون للجنود بالإهانة و السباب, أنتِ مواطنة و المفروض أن لا تسمحي لذلك أن يحصل." و ألزمني بأن أمسح الصورة و إلا سيتم إقتيادي للمخفر, أردت أن أرد و أقول له بأنه هو و أعوانه يقومون بالتعرض للبدون و بإهانتهم و ضربهم و سبهم و إنتهاك حرمات بيوتهم منذ أعوام طويلة, و في نفس الوقت لا يريد لجنوده و القوات أن يتعرضوا لأي مساس من قبل الأفراد الذين يعارضون هذا الأسلوب الوحشي في قمع البدون! و لكنني لم أفعل لأنني رأيت بأن ردي سيزيد من سوء الوضع و سيؤدي إلى إصطدام أسوأ , فَسَكَت ومَسَحت الصورة الوحيدة و التي لم تكن واضحة أصلا لبعض المدرعات. سجل أحد أعوانه بياناتي (من البطاقة المدنية) و قال لي بأنه يجب علي أن أبتعد عن هذا المكان, فرديت عليه و أصريت بأنني لن أذهب و أنني سأشارك أخواني البدون مظاهرتهم. عندما رأى القوات الخاصة أنني مُصِرة طلبوا مني أن أقف بعيداً و أشاروا إلي أن أعود إلى الوراء فامتثلت لأوامرهم و ذهبت ووقفت بعيدا في المكان الذي حددوه لي. ثم أتوا ثانية و طلبوا مني أن أعود للوراء أكثر, فامتثلت لطلباتهم, ثم عادوا مرة ثالثة و طلبوا مني العودة للوراء أكثر ففعلت. بدأ بعض الشباب البدون بالقدوم ولم يكونوا يحملون أي شيء على الإطلاق, لم يكن معهم لوحات أو "بوستر" أو أي شيء. فوقفوا في المكان المخصص لهم و لم يتعدوه و بدأوا يغنون النشيد الوطني. بعدها صاحوا "حرية, حرية, سلمية, سلمية.." و قمت بترديدها معهم , و بعدها غنوا و غنيت معهم "نبيها منك يا الأمير لا عضو و لا وزير" و رددناها معاً أكثر من مرة.. و كنا نقف صف واحد, و لم نتحرك من المكان الذي خصصه لنا القوات الخاصة, و كنت أراقب الجنود, لأنهم كانوا في كل لحظة يقتربون منا أكثر فأكثر و بعدها بدأ يلبس الجنود أقنعة على وجوههم ليغطوا ملامحهم و فجأة من دون سابق إنذار ركض الجنود نحونا و أخذوا يمسكون بأي شاب يستطيعون الإمساك به و ينهالون عيه بالضرب المبرح. صُعِقت عندا رأيت هذا المنظر و تجمدت و لم أستطع الحركة لبضعة ثوانِ ثم ركضت لشاب كان يتم ضربه على التراب و تكبيل يده من قبل أربع جنود فأخذت أصيح: "لا تضربه, أرجوك, لم يفعل شيئا, لماذا تضربونه لم يفعل شيئا.." صرخوا في وجهي "ابتعدي.. إبتعدي من هنا" و جروا الشاب من شعر رأسه و أخذوه, ثم ركضت لآخر كان مصيره الشيء نفسه و كان الجنود يدسون رأسه في التراب و يضربونه و يكبلون يديه في نفس الوقت, فلما رفعوا وجهة من التراب كانت الدماء تسيل من فمه, فرفعوه من الأرض من شعر رأسه و أخذوه و كنت أصيح و أقول "هذا ظلم, ما تفعلونه حرام..." وأكررها و أصرخ... والجنود يصرخون علي "إبتعدي من هنا, إبتعدي واتركينا نقوم بأعمالنا" ... أخذت أتلفت فوجدت شاب في كل زاوية يتعرض لنفس الدرجة من الظلم و البطش... جسدي بأكمله كان يرتجف و يرتعد خوفا و حسرة وحزن و ألم لما كان يحصل أمام عيني, فلم أرى في حياتي ظلماً و لا عنفاً و لا تعسفاً في استخدام القهر ولا جورا ولا قسوة و لا بطش كما رأيته في تيماء في هذا اليوم, و لم أستطع تصديق عيني, فالجيش الكويتي الذي يفترض أن يحمي الشعب والوطن كان يضرب و يقمع أناس مسالمين ضعفاء.. و لماذا؟ لأنهم يطالبون بأدنى مستوايات العيش؟ لأن ليس لديهم مأوى, ولا تطبيب, ولا تعليم؟ لأنهم يعيشون في علب صغيرة من الألمنيوم التي لا تقي حرارة شمس و لا تصد غبار و لا رياح و لا برودة و لا مطر؟ لأنهم لا يستطيعون العمل و سد جوعهم أو حاجتهم البسيطة للملبس؟ لأن الفتاة منهم إن أرادت الزواج فالوسيلة الوحيدة لذلك هي أن يأخدها أبوها هي و من تقدم لخطبتها إلى المخفر و يقول الأب "إدعاءاً فقط" أن الخاطب فد خطف إبنته و بالتالي يتم تزويجهم و تسجيل زواجهم بالمخفر ستراً على ذنبهم الذي لم يقترف أصلاُ ولكن لأنهم لا يستطيعون الزواج بالصورة الصحيحة التي نستطيعها نحن. أم لأنهم يعيشون من دون آمال و لا أحلام و لا تطلعات, فالحياة بالنسبة لهم محدودة, فلا يستطيع أي منهم أن يطمح لشهادة يفتخر بها أو يعمل و يكسب قوت يومه منها, ولا يحق لأحدهم أن يأمل بعمل أو وظيفة تدر عليه دخلاً يستر به نفسه و أسرته , ولا تحلم أي فتاة منهم في الأمومة والإنجاب, ولا يستطيع طفل صغير يركض في الشوارع حافي القدمين أن يثبت إسمه أو إسم والده لأن ليس لديه شهادة ميلاد تثبت وجوده.
و الأدهى و الأمر من كل ما حصل أنه في اليوم التالي للتظاهر صرح قائد القوات الخاصة في الجريدة بأن البدون هم من يتعرض للقوات و أنهم هم من بدأ بالتخريب و الإستفزاز و قاموا بالإعتداء على القوات و قاموا بحرق الإطارات, و أنا أعلم حق العلم و أشهد بكل ما أوتيت من قوة بأن هذه الإتهامات ليس لها أي أساس من الصحة , و لم يتعرض أخوتي البدون لأحد , بل كانوا ملتزمين بأوامر القوات و تعليماتهم و لم يعارضوهم و لم يقدموا على أي عمل تخريبي أو مخالفأ للقانون. تظاهرنا كان سلمياً دستورياً وطنياً ولكن وزارة الداخلية و القوات الخاصة لا تحترم الدستور و لا كرامة الناس ولا ترغب بالسلام.