صدر قانون المطبوعات رقم 3/2006، ليضع بعض القيود على ما يجوز وما لا يجوز
نشره، ونوعيّة الكتب التي يجوز استيرادها. المادة (7) من القانون تنص على أن الكتب
المستوردة يجب أن تخضع لرقابة الإعلام، لكن المشكلة الأكبر هي في مادة (21) التي
تحدد ما لا يجوز نشره في الكتب، تنص المادة على التالي:
يحظر نشر كل ما من
شأنه:
1. تحقير أو ازدراء
قانون الدولة
2. إهانة أو تحقير رجال القضاء
أو أعضاء النيابة العامة أو ما يعد مساساً بنزاهة القضاء وحياد يته أو ما تقرر
المحاكم أو جهات التحقيق سريته
3.
خدش الآداب العامة أو التحريض على مخالفة النظام العام أو مخالفة القوانين
أو ارتكاب الجرائم ولو لم تقع الجريمة
4.
الأنباء عن الاتصالات السرية الرسمية ونشر الاتفاقيات والمعاهدات التي
تعقدها حكومة الكويت قبل نشرها في الجريدة الرسمية إلا بإذن خاص من الوزارة
المعنية
5.
التأثير على قيمة العملة الوطنية أو ما يؤدى إلى زعزعة الثقة بالوضع الاقتصادي
للبلاد أو أخبار إفلاس التجار أو الشركات التجارية أو المصارف أو الصيارفة إلا
بإذن خاص من المحكمة المختصة.
6.
كشف ما يدور في اجتماع أو ما هو محرر في وثائق أو مستندات أو مراسيم أو أي
أوراق أو مطبوعات قرر الدستور أو أي قانون سريتها أو عدم نشرها، ولو كان ما نشر
عنها صحيحاً ويقتصر النشر على ما يصدر عن ذلك من بيانات رسمية
7.
المساس بكرامة الأشخاص أو حياتهم أو معتقداتهم الدينية والحض على كراهية أو
ازدراء أي فئة من فئات المجتمع أو نشر معلومات عن أوضاعهم المالية، أو إفشاء سر من
شأنه أن يضر بسمعتهم أو بثروتهم أو باسمهم التجاري
8.
المساس بالحياة الخاصة للموظف أو المكلف بخدمة عامة أو نسبة أقوال أو أفعال
غير صحيحة له تنطوي على تجريح لشخصه أو الإساءة إليه
9.
الإضرار بالعلاقات بين الكويت وبين غيرها من الدول العربية أو الصديقة إذا
تم ذلك عن طريق الحملات الإعلانية
10. خروج الصحيفة المتخصصة عن غرض الترخيص الممنوح لها
القيود التي تضعها مادة (21) مطاطية جداً وتساعد موظف
الرقابة في وزارة الإعلام المنع حسب حريته الشخصية، فبند رقم 3 من المادة الذي ينص
على منع الكتب التي "تخدش الآداب العامة" تتيح لموظف الرقابة استخدام
معاييره الخاصة بما يعتبره خادش أو غير خادش للآداب العامة. وفعلاً، هذا ما بدأ
يحصل منذ 2007 ، صارت الوزارة تمنع كتب كثيرة بناءً على أنها تخدش الآداب العامة،
أو أنها تحرّض على قلب نظام الحكم، أو تمس العقائد والأديان. وبناءً عليه منعت
أعداد هائلة من الكتب، والكثير منها لكتاب كويتيين، من روايات، قصص، شِعر، مجموعة مقالات
سياسية، نصوص مسرحية للأطفال، وغيره.
الروائي سعود السنعوسي مُنعت روايته "فئران أمي
حصة" على أساس أنها تمس الطوائف الدينية في الكويت، لكن روايته تدعو لنبذ
الطائفية لأنها تحكي عن نظرة مستقبليّة يتخيّل فيها الكاتب كويت مفككة بالحروب
الأهلية نتيجة تفاقم العنصرية والطائفية في المجتمع.
الروائية بثينة العيسى مُنعت روايتها "خرائط
التيه" لأن الرواية تدور حول طفل كويتي يضيع من أهله ويتم اختطافه أثناء
الطواف في مكّة (أثناء تأديتهم للحج) وتبدأ رحلة البحث عنه، ويتعرّض الطفل للكثير
من المآسي إلى أن يتم العثور عليه. تم منع الرواية على أساس أن فيها مساس بالمملكة
العربية السعودية، لكن الرواية تُباع في السعودية وفي مكة بالتحديد! وفي كافة دول
الخليج، كما أن رواية السنعوسي (أعلاه) تُباع في السعودية وفي شتى دول الخليج.
أحد الصحفيين الكويتيين، جمَع مقالاته (التي تم نشرها
مسبقاً في الصحف اليومية) في كتاب، فمُنع الكتاب باعتبار أن طبيعة المقالات سياسية!
قصة أطفال اسمها "حورية البحر" تستهدف الطفل
ما بين سن 5 و 7 سنوات منعت لأن على غلافها صورة حورية البحر، و تم تعليل المنع
بأن الصورة فيها إيحاء جنسي.
الكاتبة هبة حمادة تكتب نصوص مسرحية للطفل، تم رفض عدد
من نصوصها لأن أحد الشخصيات في النص اسمه علي! وإحدى الشخصيات اسمها عائشة!
وهناك كتب اقتصادية، وفلسفية، ودينية، وشعر و خواطر كلها
تم منعها بسبب أنها تخدش الحياء العام.
عبّر الكتاب، الأدباء، ودور النشر عن رفضهم وسخطهم أكثر
من مرّة خصوصاً أثناء معرض الكتاب السنوي، وأقاموا بعض الاعتصامات والندوات، لكن
من دون جدوى، استمرت الرقابة بالمنع.
في كل مرّة ترد وزارة الإعلام أنه يحق للكاتب التظلم من
قرار المنع لكن اللجنة التي تنظر التظلمات هي ذاتها التي أصدرت قرارات المنع! فلن
يكون هناك حيادية في اتخاذ القرار. كما تدعي الوزارة أنه يحق للكاتب اللجوء
للقضاء، وطبعاً يجب على الكاتب توكيل محامٍ ودفع أتعاب وانتظار مدة طويلة إلى أن
يصدر حكم المحكمة، وفي كل مرّة يصدر حكم المحكمة لصالح الكاتب، تستأنف وزارة
الإعلام الحكم ويقضي الكاتب سنوات إضافية في المحاكم مطالباً في حقه في نشر
أفكاره!
تدعيّ وزارة الإعلام أن أعضاء لجنة رقابة الكتب هم أفراد
على درجة عالية من العلم، ومنهم أكاديميون، و بعض من أعضاء رابطة الأدباء. لكنهم
منعوا كتباً لأنه ترد فيها كلمة "نهد"، وكتب أخرى وردت فيها كلمة
"الرب"، مدعين في ذلك أن كلمة "الرب" مستوحاة من الديانة
المسيحية، وأنهم يخشون على الأطفال والنشء من أن يتعودوا على استخدام هذا اللفظ
الذي لا يتماشى مع الدين الإسلامي.
بعد ضغط عدد من الأدباء على نواب مجلس الأمة لتبني
القضية بصورة جدية أكبر، وجّه النائب خالد الشطي (هذا حصل مؤخراً قبل بضعة
شهور2018) سؤال لوزير الإعلام؛ بأن يفيده بعدد الكتب الممنوعة في الكويت، ولماذا
تم منعها من قبل وزارة الإعلام؟ جاء الرد على شكل 16 صندوقاً كبيراً مليئاً بالكتب
الممنوعة. وقد وصل عدد الكتب الممنوعة في الكويت اليوم إلى 4590 كتاب تم منعها
خلال الخمس سنوات الأخيرة.
تم دراسة التقارير المرفقة مع كل كتاب والتي تبيّن سبب
المنع، وكلها كانت في إطار: "خدش الآداب" و"التأثير على
العقائد"، و "مساس نظام الحكم".
الأمر الذي دق ناقوس الخطر لدي أنا ومجموعة من الأفراد
المهتمين بالكتب، المحبين للقراءة، بالإضافة للكتاب والأدباء طبعاً. هو أنه مؤخراً
تم منع كتب كانت تُباع في الكويت منذ عشرات السنين: كتاب نهج البلاغة، أشعار أحمد
مطر، روايات ومسرحيات وأشعار غسان كنفاني، أشعار نزار قباني، أشعار فهد العسكر،
كتب الدكتور أحمد الخطيب، كتب الدكتور على الوردي، روايات واسيني الأعرج، كتب عبدالرحمن
منيف، روايات ناصر الظفيري، روايات غابرييل غارسيا ماركيز، روايات دوستويفسكي،
وفيكتور هيوغو، وجبران خليل جبران، وآخرين كثيرون.
وقفنا في
اعتصامنا الأول أمام وزارة الأعلام، في يوم السبت، 1 سبتمبر 2018، أنا وابنتي
ومجموعة من طلابي وطالباتي، وبضعة من المهتمين لنظهر احتجاجنا على الرقابة
التعسفية، وكان عدد الحضور قليل، 40 شخص فقط. وفي نفس اليوم نشرت وزارة الإعلام
تصريح بأن الكاتب المتضرر يحق له التظلم أو اللجوء للقضاء.
ذهبت لمقابلة وزير الإعلام لنظر ما إذا كان هناك مجال للنقاش
والوصول لحل، بالرغم أنه القانون الذي يحتاج تعديل، وبالتالي الأمر من اختصاص مجلس
الأمة، لكن من الضروري بالنسبة لي معرفة وجهة نظر الوزير، فذهبت مع مجموعة من
المهتمين لمقابلته، وقد أكّد لنا أنه ليس هناك تعسف وأن لجنة الرقابة تقوم بدورها
وفقاً للقانون، لكنه على استعداد للتعاون معنا. وجهنا عدّة له مطالب، منها: جعل
الرقابة على الكتب لاحقة وليست سابقة، فالرقابة على الصحف في الكويت لاحقة؛ الصحف
تُطبع وتُوزّع وإذا شعر الأفراد أن فيها مساس بالدين أو الآداب العامة استطاعوا
اللجوء للقضاء. طلبنا أيضاً تعديل مادة (21) من قانون المطبوعات لأن هذه المادة
عامة جداً وتسمح لموظف الرقابة استعمال معاييره الشخصية في قراراته بالمنع. وطالبنا
بإطلاق سراح كل الكتب الممنوعة. وأخيراً أن يتم استبدال أعضاء لجنة الرقابة بآخرين
من الأدباء والكتاب والمثقفين. لم يوافق الوزير على أي من مطالبنا لكنه أقر أنه
مستعد لتشكيل لجنة من الأدباء من تزكيتنا، وهذه اللجنة تشرف على لجنة الرقابة
الموجودة. وبالرغم أن هذا الاقتراح سيّء جداً ولن يؤدي إلاّ للمزيد من
البيروقراطية، إلاّ أننا اقترحنا عدّة أسماء من الكتاب والأدباء، وبعد أن تحدثنا
معهم عن تشكيل هذه اللجنة أبدوا رفضهم القاطع باعتبار أن رقابة الكتب هي ضد كل
مبادئهم ككتاب ومفكرين.
عُدنا للوزير مرّة أخرى وطلبنا بأن تكون اللجنة الجديدة
مكونة من مجموعة من الأكاديميين، وأن تكون ذات سلطة حقيقية وليست مجرّد لجنة شكلية
أو اشرافية على لجنة الرقابة الموجودة حالياً. مازال التفاوض مستمراً.
أقمنا اعتصامنا الثاني في يوم السبت 15 سبتمبر، في ساحة
الإرادة، وحضر الاعتصام 200 شخص. حيث بدأ الأفراد باستيعاب أن هناك مشكلة حقيقة،
وليست مجرّد محاولة لفت نظر الكاتب لكتابه الممنوع.
تكلمنا مع النواب، لم نجد منهم الكثير من التجاوب. وقد
طلبتُ من أحد الزملاء المحاميين رفع دعوى مضمونها عدم دستورية قانون المطبوعات رقم
3/2006 لأنه يتناقض مع الحقوق والحريات التي ينص عليها الدستور الكويتي، وقد بدأ
في إجراءات الدعوى، تطوعاً، من منطلق مسؤوليته الاجتماعية.
نحن الآن نسعى لخلق وعي اجتماعي، نريد للمجتمع أن يدرك
ويعي أن الموضوع جدّي، فهناك من يقول أن المنع أمر تافه لأن كل الكتب موجودة في
الإنترنت، والرد على ذلك أن من يمنعنا من قراءة الكتب اليوم، لن يتأخر عن حجب
المواقع الإلكترونية، ومنع استيراد الكتب من الخارج، وبالفعل تم حجب بعض المواقع،
ويتم ايقاف أي كتب تصل للجمارك واحالتها لرقابة الإعلام حتى لو كانت لاستعمال
الفرد الشخصي (أي ليست للبيع). نريد أن نحمي المكتبات، نريد أن نحمي معرض الكتاب
(الذي صارت الكثير من دور النشر العربية تمتنع عن المشاركة فيه بسبب قيود وزارة
الإعلام)، نريد للمجتمع أن يدرك أن ما يحصل هو تعدي واضح على حقوقنا وحرياتنا
كأفراد، وأنه يمسنا جميعاً وليس فقط الأدباء أو الكتاب، وأن المدافعين عن الكتب
ليسوا فقط الطبقة المثقفة، أو مجموعة علمانيين، أو ليبراليين، بل كل أطياف
المجتمع.
اعتصامنا الثالث كان السبت، 29 سبتمبر، في ساحة الإرادة،
ساعة واحدة، من 5-6 مساءً، و كان عدد الحضور جيد لكن أقل من الاعتصام السابق.
نريد أن نستمر بالضغط على النواب لكي يكون هناك تحرّك
جاد، نريد أن نثبت لوزير الإعلام أننا لن نصمت، لن نسمح بهذا التعسف، أننا نرفض
وصايتهم على عقولنا، أننا نرفض رقابة الدولة لأننا نمتلك رقابة ذاتية، ومن حقنا
قراءة ما نشاء، وليس للدولة الحق في مراقبة ما نقرأ.
سنعتصم للمرة الرابعة يوم الأربعاء 14 نوفمبر أمام صالة
5 في معرض الكتاب، لساعة واحدة 4-5 مساءً
ما نحتاج إليه هو الدعم، نريد الأفراد من كل أطياف
المجتمع أن يشاركوا، نريد أن نقف جميعاً ضد المنع.
القراءة ليست ترف، بل حق أساسي، ومن يمنع الكتب فهو في
الحقيقة يمنع التعليم، لأننا نكتسب معظم ثقافتنا ومعلوماتنا من القراءة.
في الأسفل صور لعدد بسيط جداً من الكتب الممنوعة في
الكويت، ويظهر فيها أن الكتب الدينية الإسلامية أيضاً تتعرّض للمنع، وليست فقط
الكتب التي تدعي وزارة الإعلام أن فيها دعوة للانحلال الخلقي أو الإلحاد: