قد يكون لأن الفرح والفخر والاهتمام
بالمولود الذكر أكبر بكثير منه بالمولودة الأنثى.
قد يكون لأن أوّل ما يتم تعليمه للبنت
الصغيرة هو "ضميّ رجليكِ" و "اصمتي" و "عيب".
قد يكون لأن أوّل درس يتم تعليمة للفتاة
عندما تكبر قليلاً هو "لا تقتربي من الأولاد، لا تتحدثي مع الأولاد، لا تثقي
بالأولاد حتى لو كانوا من أقاربكِ لأن الولد يريدُ فقط استغفالك، واستغلالك". لكنه لا يتم تعليم الولد أن عليه
احترام الفتاة، وأنه لا يحق له التطاول عليها.
قد يكون لأننا نرى الفرق في التعامل
بيننا وبين أشقاؤنا الذكور، فهم يحصلون على الحب، والدلال، و الاحترام، والاهتمام،
والفرص. حقوقهم وحرياّتهم غير مقيّدة، يخرج و يعود متى ما شاء، يسافر متى ما شاء،
يصاحب الفتيات كما يشاء، يخطئ كما يشاء. أما الفتيات فيتم مراقبتهن، وتقييد
حرّيتهن، واسكاتهن، وتوبيخهن، ومحاسبتهن، وتصغيرهن، وتعنيفهن، وتحقيرهن.
قد يكون لأنه يتم فصل الفتاة عن
آدميّتها من عمر صغير جداً؛ فيقال لها حلوة كالقمر، رشيقة كالغزال، أو قطوة، أو ثعلوبة
لتشبيهها بحيوان جميل ماكر، أو باللهجة العامية "شحلاتها كلبة"، أو "مزّة"
ومعنى مزّة: ما يمزمز بها السكران، شارب الخمر ليغطي رائحة الخمر الكريهة التي
تفوح من فمه، فيدفع السكران لفتاة من فتيات الليل لتقبله و تلغي بتقبيلها رائحة
الخمر التي تفوح من فمه، حتى صارت كلمة "مزّة" تستخدم لفتيات الليل
اللاتي يبعن أجسادهن بمقابل. بل حتى في الّذم والإهانة يتم فصل المرأة عن آدميتها فيقال عن المتسلطة "نسرة" والماكرة "ثعبان".
قد يكون لأنه إذا تجرأ رجل على لمسي،
أو هتك جسدي، أو حتى اغتصابي بالقوّة فهو ذنبي وليس ذنب الرجل؛ ويتم مساءلتي ماذا
كنتِ تلبسين؟ لعل ما كنتِ ترتدينه أغراه؟ لماذا كنتِ لوحدكِ؟ لماذا لم تُقاوميه؟
هو خطأوكِ أنتِ لأنكِ ذهبتِ إلى ذلك المكان. أما الرجل فلا يُلام على تطاوله على
جسد المرأة.
قد
يكون لأنه إذا ذهبت المجني عليها للمخفر لتقديم شكوى ضد رجل تطاول عليها (تحريض
على الفسق والفجور، هتك عرض، أو مواقعة بالإكراه) يجتهد المحقق في اقناعها أن لا
تستمر بالشكوى لأن ذلك سيؤثر سلباً على سمعتها و سمعة أسرتها، خصوصاً إذا كانت
فتاة صغير غير متزوجة، فيقنعها أنها لن تستطيع الزواج، فالرجل سيتحاشاها عندما
يكتشف أن هناك قضيّة جنائيّة مسجلة باسمها. فلا يهم بالمجتمع الكويتي الذكوري أن
المرأة مجني عليها في هذا النوع من الجرائم، لأنه يلوم المرأة أياً كانت الظروف،
فلا يُنظر للمرأة على أنها ضحيّة أبداً.
قد يكون لأنني أحقق دخل أقل من دخل
الرجل حتى وإن كُناّ نؤدي ذات العمل، و نحمل ذات الشهادة العلمية، و لدينا نفس
سنوات الخبرة.
قد يكون لأنني أرث نصف ما يرثه الرجل
فقط لأنني امرأة
قد يكون لأنني إذا تزوجت من غير كويتي
صار أولادي مهمشون، مضطهدون، محرومون. أما إذا تزوج الكويتي بغير كويتية فتعيش
زوجته التي يتم تجنيسها وأولادها منه براحة واستقرار
قد يكون لأنني أعيش في مجتمع لازال
يردد أن تعليم المرأة مهم لأنها مربية الأجيال القادمة. فتعليمي ليس لي، لا يضيف
لقدري أو قيمتي كإنسان في المجتمع هو فقط لتعليم ولإفادة الأجيال القادمة. بينما
عندما يحصل الرجل على التعليم العالي يتم تقديسه
قد
يكون لأنني إذا أحببت فأنا عاهر، فاسدة، ساقطة، غير محترمة، قد جلبت العار لأسرتي،
وأفسدتُ شرف الذكور من أقاربي. أما الرجل إذا أحب، فهو فارس رومانسي.
قد يكون أن الزوج كلما تملل من وزوجته
وأبناءه تركهم وسافر مع أصحابه. للرجل الحق بأخذ إجازة من أسرته لأنه يرى أسرته
كوظيفة متعبة، بينما الزوجة عليها فقط الصبر والتحمّل والسكوت
قد يكون لأن لفظ "مطلقة" لايزال
عار، وخزي، وانتقاص من المرأة وقدرها، لكن "مطلّق" لا عيب فيها
قد يكون لأنه يتم تلقين المرأة بوجوب
اشباع كل حاجات زوجها النفسية، والذهنية والجنسية، وإلاّ فلا تستغرب تلك إن تزوّج
زوجها بأخرى أو بدأ بخيانتها، فإشباع حاجات الزوج واجب المرأة. لكن إشباع حاجات
الزوجة ليست واجب الرجل.
أتكفي
كل تلك الأسباب لتكون النسوّية غاضبة؟ هل سيعدّ المجتمع الذكوري الأبوي الكويتي كل
ذلك التمييز والظلم، والاضطهاد مبرراً كافياً لغضبنا نحن النسويات؟ أم أن كل ما
ذكرته هنا غير مهم، وغير كافٍ، ولا يعتبر عذر يبرر غضب النسويّات؟
السؤال
الأهم؛ لماذا يخشى المجتمع الذكوري الأبوي الكويتي غضب المرأة؟ يتقبّل غضب الرجل
ويعتبره ردّة فعل إنسانيّة طبيعية، لكن المرأة إن هي غضبت فهي قليلة أدب وطويلة
لسان، ووقحة، لأن المجتمع الكويتي يُفضّل الصامتة عن حقوقها، التي لا تتجرأ
بالكلام والاعتراض على الواقع الذي ينتقص حقوقها ويقيّد حريتها، تلك يراها المجتمع
ساقطة، كيف تتجرأ تلك الناقصة وتعترض على ما حدده لها الذكر من حدود دينيّة،
اجتماعية، سياسية، واقتصادية؟ طبعاً لا يحق لها الاعتراض، يجب عليها أن ترضى، ترضخ
وتصمت.
كما أن
الغضب والصراّخ هو المرحلة الأخيرة التي يصل إليها الإنسان المُضطهد، المظلوم،
المقموع. نرى الشعوب تُطالب بالتغيير، تنادي، تتكلّم، تكتب، تهتف، لكن إذا ما
استمرّت السلطة القامعة لتلك الشعوب بالظلم والتمييز والاضطهاد، وتأكدت تلك الشعوب
أنه حكوماتها القامعة لا تهتم، ولا تسمعها، ولا تأبه بما تعاني منه شعوبها، فستبدأ
تلك الشعوب بالصراخ، ستعبر عن الغضب، ستخرج في الشوارع، ستتمرّد، ستستخدم العنف،
والتخريب إن كان ذلك هو الوسيلة الوحيدة للفت نظر حكوماتها الظالمة الغافلة عن
ظلمها.
لذا
فإن غضب النسوياّت ما هو إلاّ ردة فعل طبيعية، لعدم الاستماع لمطالبهن، لعدم
الاهتمام لهمومهن، لعدم الاعتراف بحقوقهن، لعدم إعطاء أي وزن أو قيمة لما يعانين
منه من تمييز في المجتمعات الذكورية الأبوية.