6 Jun 2021

مأساة البدون في الكويت

 

يمكن الإستماع لهذا المقال هنا

https://www.youtube.com/watch?v=o6tTa8vUA_I&t=11s


عندما أكتب عن الظلم والمعاناة التي يعيشها البدون في الكويت، أجد تعليقاً من شخص عربي يسألني ما معنى البدون؟

البدون لفظ يُطلق على عديمي الجنسية في الكويت، بدون أو بالأصح "من دون" جنسية. وهم جماعة من الكويتيين الذين حُرموا من الجنسية الكويتية ومن ثم من حقوق المواطنة، والهوية، والحقوق الإنسانية الأساسية كالتعليم، والصحة، والوثائق الرسمية كشهادة الميلاد، والبطاقة المدنية، والجواز، والحقوق السياسية من تصويت وترشيح للبرلمان

يتعرض البدون في الكويت لأشد أنواع العنصرية، وانحدار مستوى المعيشة، والحرمان. فرص العمل المتوفرة للبدون شحيحة، وأحياناً كثيرة معدومة. يتم استغلالهم مهنياً بمنحهم مرتبا منخفضا جداً، أو مرتبا متذبذبا غير ثابت، أو حرمانهم تماماً من المرتب

يدرس أبناؤهم في مدارس متواضعة مختلفة عن مدارس المواطنين، وبسبب رسوم هذه المدارس العالية يعجز الكثير من البدون عن تعليم أبنائهم

عدد البدون في الكويت حسب الإحصائيات الرسمية 25 ألفا، لكن يقال إن العدد اليوم تفاقم إلى 100 ألف، طبعاً من الغريب أنه لا يوجد احصائيات رسمية لفاجعة إنسانية بهذا الحجم، لكن الكويت ليست دولة راقية تهتم بالدراسات والإحصائيات ودقّة المعلومات أو الشفافية. الكويت دولة نفاق، نفاق سياسي، نفاق ديني، نفاق اجتماعي، نفاق ثقافي، نفاق أخلاقي. دويلة تنخرها العنصرية، والطائفية، والمذهبية، والقبلية، والطبقية. دويلة متهالكة من فساد السياسيين، وانحطاط رجال الدين، وشعب جبان جاهل بحقوقه خامل، خانع، همه الوحيد الأكل والنوم. دولة خالية من العقول، خالية من الإبتكار والإبداع والتطوير، ومليئة بالبطون والألسنة التي لا تكف عن ترديد "ما في مثلنا، الله لا يغيّر علينا". وفعلاً هم على حق لا يوجد مثلهم، لا يوجد مثلهم من حيث النفاق و العنصرية، شعب يقف ويصرخ مدافعاً عن قضية فلسطين، بينما هناك مئة ألف "بدون" مظلوم في بلده، الأطفال البدون جيّاع محرومين من التعليم، محرومين من أبسط حققهم الإنسانية، بينما الكويتي و الكويتية ينادون بإغاثة الطفل الفلسطيني.

هذا هو الشعب الكويتي، يلبس الماركات، يركب سيارته الفارهة، يقودها على شوارعه المخجلة المتكسرة المتهالكة، يتمشى في المجمعات التجارية و يتفلسف عبر تويتر عن حقوق الإنسان وعن أهمية تحرير فلسطين، ثم يعود لبيت بابا و ماما حيث هناك خادمة فقيرة معدومة لا حقوق لها ولا إنسانية، تنظف حمامه القذر، وترتب غرفته المبعثرة، و تطهو طعامه، و تربي أطفاله. يعلم أن في بلده الفاسد هناك من يعاني ويتألم و ينتحر من شدّة الظلم والحرمان، لكن همه الوحيد هو أن يأكل و ينام. الكويت عبارة عن عزبة صغيرة مملوكة من قِبل أسرة ظالمة اسمها آل صباح، هذه الأسرة تنظر للشعب ككل من مواطنين ووافدين وعديمي الجنسية كعبيد مملوكين لها، و أي أحد من هؤلاء العبيد يتطاول على تلك الأسرة أو ينتقد أسلوب الحكم يسجن، حتى التجار الأغنياء في الكويت لا يحصلون على الفرص الاقتصادية إلا عن طريق لعق أحذية الشيخ وحكومته الفاسدة.

يعود عدم تجنيس البدون إلى سبب تاريخي، وسبب عقابي أو تأديبي، تاريخياً عندما بدأت الكويت تتحوّل إلى دولة مدنية في الخمسينيات عن طريق إلزام الشعب باستخراج وثائق رسمية من جواز وبطاقة مدنية لإثبات حق المواطنة، تم إغفال الكثير من القبائل البدوية الكويتية المتنقلة في الصحراء، مما أدى إلى تحول وضعهم من كويتيين إلى "عديمي الجنسية"، بالرغم أن عدداً كبيراً من الرجال البدون التحقوا بالسلك العسكري والشرطة.

استغلّتهم الحكومة الكويتية أبشع استغلال في الثمانينات، حيث كانت تحرمهم من الجنسية وفي ذات الوقت تدرجهم في سجلات المواطنين كحاملين للجنسية الكويتية، وذلك لكي تتمكن من زيادة كمية النفط التي تصدرها، حيث كان نظام تصدير النفط وفقاً لمنظمة الأوبك حسب عدد سكان الدولة، قبل أن يتغيّر النظام ويصبح التصدير وفقاً لنظام الحصص

تأديبياً، تقوم السلطة في الكويت متمثلّة بالأمير بسحب جنسية الفرد إن كان معارضاً لنظام الحكم كعقوبة، فيتحوّل هذا الشخص وأبناؤه وأحفاده إلى بدون، محروم من كافة حقوق ومميزات المواطن

الكثير من البدون استشهد بالغزو العراقي دفاعاً عن الكويت، والكثير منهم عملوا حرساً للأمير، والكثير منهم يحمل وثائق تثبت وجودهم في الكويت منذ الخمسينيات وقبل الخمسينيات، ولا زالت الحكومة الكويتية تضطهدهم وتحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية

عبر السنين جاء أمير خائب يليه أمير خائب، ولي عهد خائب تلو ولي عهد خائب، رئيس وزراء خائب تلو رئيس وزراء خائب، حكومة خائبة تلو حكومة خائبة، جميعهم يعدون بحل القضية، ووعود كاذبة من نوّاب البرلمان الكويتي الخائب بحل القضية لكن من دون أي جدوى

 تم تأسيس لجنة لمعالجة أوضاعهم في 2010، لكن اللجنة زادت الأمور سوءاً بتضييقها أكثر على البدون. حيث صرّح رئيس اللجنة الفاسد، سيء السمعة "صالح الفضالة" أن الكثير من البدون هم في الحقيقة يحملون جنسية دولة أخرى، وبالتالي لا يستحقون الجنسية الكويتية. ولو كان هذا الادعاء الكاذب صحيحاً، فلماذا لا يتم ترحيل من يحملون جنسية دولة أخرى لبلدانهم الأصلية، بدلاً من حرمانهم من مغادرة الكويت، ومنح الجنسية لمستحقيها؟

وعندما يطالب بعض المحاميين المهتمين بالقضية بإحالة قضية البدون للقضاء للفصل فيها بعدالة، تتحجج السلطة بقانون الجنسية الكويتي الظالم الذي يمنع القضاء من الفصل في أي مسألة تخص الجنسية ويجعلها من أمور السيادة التي لا يجوز لأحد الفصل فيها سوى الأمير

أما أمير الكويت الخائب فمنهك بتلميع صورته خارج الكويت، وبالإغداق على الدول الأخرى بمساعدات مالية تصل إلى مليارات الدنانير، متظاهراً بعدم وجود آلاف ممن يعانون بشكل يومي على أرضه.

فاليوم في الكويت لا يستطيع البدون الذهاب للمستشفى للعلاج؛ لأن اللجنة المعنيّة بمعالجة أوضاع البدون تمتنع عن تجديد بطاقته المدنية. ولا يستطيع البدون سحب مرتبه البسيط من حسابه البنكي الخاص لذات السبب. وعندما يطالب البدون اللجنة بتجديد بطاقته، تلوي اللجنة ذراعه بإجباره على توقيع وثيقة يعترف من خلالها أنه في الحقيقة ينتمي لدولة أخرى ويحمل جنسيتها، فيرفض البدون توقيع الوثيقة، وفي ذات الوقت لا يستطيع أن يعيش حياة طبيعية ببطاقة منتهية الصلاحية

 والطفل البدون يعمل لكي يعيش ولكي يعيل أسرته، إذا قدت مركبتك في شوارع الكويت بلد الإنسانية، بلد الإسلام  سترى أطفال من البدون في سن الثامنة، أو العاشرة، أو الثانية عشرة يبيعون الخضروات في الشوارع، تحت شمس الكويت الحارقة طفل بدون محروم من المدرسة يبيع البطيخ، يتصبب عرقاً و حسرة وهو يراقب الأطفال الذين في سنه، ينزلون من مركبات آباءهم، بملابسهم النظيفة، و يدخلون سور المدرسة، يسمعهم يحييون العلم، يسمعهم يضحكون و يركضون ويركلون الكرة أثناء الفرصة المدرسية.

تشوّه السلطات الكويتية صورة البدون بالكويت بإظهارهم بصورة سيئة إعلامياً

في 2012 أقام البدون مجموعة من الاعتصامات السلمية، ولم تكن تلك الاعتصامات سوى وقفة للبدون في ساحة ترابية، وحملهم لأعلام الكويت، وترديدهم للنشيد الوطني. وقد حضرت  بنفسي تلك الاعتصامات ورأيت بنفسي البطش والعنف والضرب والرش بالماء الساخن والقنابل المسيلة للدموع الذي استخدمته الشرطة الكويتية والقوات الخاصة لفض هذه الاعتصامات، ومن ثم جر المعتصمين للمخافر، وحجزهم، ومحاكمتهم، ووضع قيود أمنية ضدهم تضمن عدم تجديد وثائقهم وأوراقهم، وتضمن رفض اللجنة طلبهم بالتجنيس بشكل نهائي. وفي اليوم التالي تنشر وزارة الداخلية في الصحف الكويتية عن قمعهم لأعمال الشغب التي ارتكبها البدون أثناء الاعتصام من تعدي على رجال الشرطة، وحرقهم لإطارات السيارات، بعكس ما حصل في الواقع

تستمر السلطات الكويتية بالتصريح في الإعلام أنه تم منح البدون مميزات وحريات أكبر، مما يعطي انطباعاً كاذباً للشعب بأن أوضاع البدون في تحسّن، لكن المشكلة الأساسية وهي الحرمان من الجنسية لا تزال مستمرة

 كما أن ما يتم نشره في الصحف لا يعكس الواقع، يتم التصريح أن للبدون الحق في الدراسة في جامعة الكويت أو إحدى الجامعات الخاصة، وعندما يتقدم شاب أو شابة من البدون للالتحاق وبمعدل دراسي عالي يتم رفضهم

يتم التصريح بإعطاء البدون جواز خاص، لونه رمادي مختلف عن الجواز الكويتي أزرق اللون، وعندما يتقدم البدون لإحدى السفارات للحصول على "فيزا" للسفر، يتم رفضه مباشرةً من قبل السفارة، لعلم السفارة أن حامل هذا الجواز سيطلب اللجوء في بلدها لأنه محروم من كل حقوقه في الكويت، ويُرفض أيضاً لأنه لا يستطيع تقديم كشف حساب من البنك يثبت من خلاله أنه يحصل على مرتب ثابت

أما أبناء الكويتية من فئة البدون، وهم من تحمل أمهاتهم الجنسية الكويتية ولا يحملها الأب، وبما أن قانون الجنسية الكويتي لا يعطي حق الجنسية إلاّ عن طريق الأب، فيعانون من نفس التمييز والظلم. تعلن الصحف عن قبولهم في الجامعة، ثم بعد أربع سنوات من اجتهادهم في كلية الحقوق (مثلاً) وتحصيلهم لمعدل عالٍ يحرمون من ممارسة مهنة المحاماة، أو العمل بمراكز التحقيق، أو النيابة العامة باعتبارهم غير كويتيين. فيذهب جهد سنوات في الجامعة هباء

تحكي لي إحداهن، أمها كويتية، وقد استشهد والدها البدون بالغزو: "بعد أن أنهيت الثانوية العامة، رفضوا منحي الشهادة باعتبار أنني لا أحمل بطاقة مدنية، كنت أحلم أن أدخل الجامعة، وبعد أن سمحوا بإعطائنا بطاقات مؤقتة، كانت قد مرّت سنوات عديدة على تخرجي من الثانوية، فلم تكن هناك وسيلة لي سوى إعادة دراسة الثانوية مرّة أخرى، ففعلت، لأحقق حلمي بدخول الجامعة، لكن الجامعات رفضت قبولي. تقدم لخطبتي شاب كويتي طيب ومن أسرة جيدة ويعمل بمهنة محترمة، لكن عندما ذهبتُ معه إلى لجنة البدون، لأنه يجب على أمثالنا الحصول على إذن اللجنة بالزواج، رفضوا، وقالوا له أمامي "ولماذا لا تتزوج من فتاة كويتية؟ لماذا تتزوج من هذه؟!". بالرغم من ذلك ظلّ متمسكاً بي، كان لدينا خياران، إما أن نفعل ما يفعله الكثير من البدون في الكويت إن أرادوا الزواج، نذهب للمخفر ويعترف أنه ارتكب جريمة خطف بحقي، وبما أنه اختطفني، القانون الجنائي الكويتي يعطيه خيار الزواج مني لإسقاط تهمة الخطف، فيصبح زواجنا "زواج مخافر"، أو الخيار الثاني والأخير، وهو أن نتزوج خارج الكويت، ونعود للكويت لتوثيق عقد زواجنا. وبما أنني لا أريد أن أتزوج بالمخفر، ولأنني أحمل الجواز الرمادي، ذهبنا معاً إلى دولة خليجية مجاورة وعقدنا قراننا هناك. لكن عندما أخذنا عقد الزواج للجنة البدون في الكويت لتوثيقها، رفضت اللجنة التوثيق واتهمونا بالزنا. كنت أحلم بالأمومة أن يكون لي طفلاً، لكن بسبب واقعنا المؤلم امتنعت عن الإنجاب. كنّا نتأمل أن تتغيّر الظروف للأفضل، لكن بعد مرور ثلاثة سنوات على عدم توثيق عقد زواجنا، ورفض لجنة البدون تجنيسي بناءً على جنسية زوجي، لأنه في نظرهم ليس زوجي، وخوفي من إنجاب طفل في مثل هذه البيئة، رأيت بوضوح أنني أصبحتُ عائقاً له، وأصبح هو عائقاً لي، لذا قررنا الطلاق

شاب ينتمي لأسرة سُحبت منهم الجنسية في الستينيات بعد أن كان جده من المعارضين السياسيين، يقول: "بسبب ما حصل مع جدي حُرِم أبي، وأعمامي، وكل أبنائهم من الجنسية. شاء القدر أن أمي التي تحمل الجنسية الكويتية أنجبتني في أمريكا خلال رحلة علاجها هناك، والآن بسبب الصدفة أنا أحمل الجواز الأمريكي. بعد أن أغلقت كل الأبواب في وجهي في الكويت من دراسة وعمل، هاجرت بشكل نهائي إلى أمريكا، والآن أنا أدرس وأعمل وسأحقق كل طموحاتي. لكنه شعور صعب عندما تتواصل معي أختي لتقول لي أن الجامعات في الكويت ترفض قبولها بالرغم من تحصيلها العلمي العالي، وعندما يتواصل معي أخي الذي يرغب بالالتحاق بي في أمريكا لكنه في كل مرّة يقدم طلباً للفيزا يتم رفض طلبه

يعيش البدون في الكويت مأساة إنسانية. يصل التضييق عليهم إلى الحرمان من شهادة الميلاد ومن شهادة الوفاة، أي أن البدون يعيش من دون أي إثبات لوجوده، ويموت وكأنه لم يكن. عدد كبير منهم يقطن في منطقة اسمها تيماء في الجهراء، وهي منطقة متهالكة، خالية من كافة الخدمات، يسكنون منازل مصنوعة من صفائح الألمنيوم، يعانون انحدار مستوى المعيشة، والتمييز والحرمان والظلم والقهر الذي دفع عدداً منهم إلى الانتحار. في فبراير 2021 انتحر طفل من البدون اسمه علي الشمري عن طريق تعليق نفسه من سلك، بعد أن طلب من والده مبلغ بسيط من النقود فقال له والد الذي يعادل دخله 150 دينار بالشهر و هو مبلغ بخس لا يسد حاجة فرد واحد، ووالد علي يعيل زوجة و ستة أبناء بهذا المبلغ، قال له والده أنه لا يستطيع أعطاءه النقود الآن، قبّل علي رأس والده و قال له "أبي أعلم أنك تعمل و تتعب من أجلنا  أنا لن أدعك تحتاج لأحد" و انتحر في ذات الليلة

قبل علي، انتحر يعقوب مفرح عبدلله كان عمره 26 سنة، و قد علّق نفسه من شجرة بقرب الخيمة التي يعيش فيها، خيمة، خيمة في الصحراء، في دولة تصل درجة الحرارة على 122 فهرنهايت أو (50 درجة سيليزية) في الصيف، خيمة في الصحراء في دولة الإنسانية، في الدولة التي تتباها بالمليارات التي تمنحها كمساعدات للشعوب الفقيرة في الدول الأخرى

و قبل يعقوب انتحر بدر الفضلي بعد أن أشعل بنفسه النار في الشارع

و قبل بدر انتحر زايد العصمي

و قبل زايد انتحر طلال الخليفي حرقاً

عندما كنت أذهب للتويتر لقراءة ردود الأفعال بعد انتحار فرد من البدون قهراً و فقراً و يأساً كانت تذهلني ردود الأفعال. قسوة وجهالة وحماقة الذكر الكويتي لا استغربها، فقد اعتدتها، بل لم أرَ من الذكر الكويتي غير القسوة والحماقة، رأيتها في الأب، في الطليق عندما كان زوج، وفي الزميل، وفي الصديق، كلهم قساة وجهلة، لكن عندما أرى امرأة كويتية ، تلك التي تدعي الدين، تلك التي تتباهى بالحشمة والعفة والطهارة، وتدعي أنها تستغفر الليل والنهار خشية من نار جهنم، وتدعي الصلاة وتتغطى بكومة من الخرق السوداء من شدّة التديّن. أو تلك التي تقود سيارة فارهة، و تلبس الماركات، ولا يوجد في عقلها الفارغ سوى الأكل والمسلسلات الهابطة والمكياج، عندما أراهن يكتبن في تويتر: "ولماذا ينتحر، ألا يعلم أن الإنتحار حرام وأنه سيطرد من رحمة الله، كان عليه أن يصبر مثل ما غيره صابر" عندما أرى امرأة بهذه الوحشية، وهذه القسوة، وبهذه الدرجة من اللاإنسانية، و بهذه الدناءة تتحدث عن طفل أو شاب محروم، فقير، انغلقت في وجهه كل الأبواب حتى لم يعد يطيق أن يحيا، طفل يعلّق نفسه بسلك كي لا يثقل على والده الفقير، اشمئز، فعلاً أشمئز وأشعر بالخزي أنني كنتُ يوماً أنتمي لهذا البلد الذي يسمي نفسه بلد الإنسانية، وذلك المجتمع المخجل الذي يدعي الدين والأخلاق. وأسعد أنني لم أعد أنتمي لهؤلاء.

في 2012 بعد أن حضرت عدة اعتصامات مع البدون عملت مسابقة أدبية دعوت من خلالها البدون للكتابة عن آلامهم، و أحلامهم، و طموحاتهم، سواء كانت قصة قصيرة أو قصيدة، أو خاطرة. كانت المسابقة مقسمة لقسمان، قسم البالغين الثامنة عشرة من العمر وما فوق، وقسم للأطفال لمن هم أصغر من سن الثامنة عشرة. جمعت كل المشاركات التي وصلتني من البدون في كتاب اسميته "جذور" وزعت جوائز مالية على الفائزين، ثلاثة جوائز من قسم الكبار، وثلاثة جوائز من قسم الصغار، وطبعت الإصدار، وبعته، وأعطيت المدخول للمتعثرين دراسياً من البدون، لم يكن المبلغ كبير جداً لأكنه ساعد البعض. الآن نسخة الكترونية من كتاب "جذور" موجودة على موقعي الإلكتروني لكل من يرغب في قراءة تلك النصوص الجميلة والمؤلمة في آن واحد، الرابط لكتاب "جذور" موجود في "الديسكربشن بوكس"، كما أن كتاب "جذور" يحمل صور لاعتصامات البدون، ووحشية الشرطة الكويتية معهم، الصور مأخوذة من قبل الصحفي محمد سالم المعروف أيضاً بِ (أبو سامي).

أعرف أن تجميع نصوص كتبها البدون عن معاناتهم لا يعني الكثير، لكنني أؤمن بأهمية تدوين تجاربنا الحياتية مهما كانت قاسية، لذلك أود أن أطلب من البدون أن يرسلوا لي نصوص جديدة، أشعار، خواطر، قصص، ونصوص عن تجاربهم لأجمعها في إصدار جديد. هذه المرة لا أستطيع توزيع جوائز مالية ولا أستطيع نشر الكتاب وبيعه في الكويت، فأنا أعيش في الولايات المتحدة، لكنني أستطيع نشره ككتاب إلكتروني على موقعي، ويستطيع قراءته كل من يرغب بذلك، فإن كنت أو إن كنتِ من البدون و ترغبون في إرسال مشاركاتكم سأكون ممتنة لذلك، بريدي الإلكتروني

fatimaalmatar@yahoo.com