29 Jan 2021

إخراس المرأة

يمكن الإستماع لهذه المقالة هنا:

https://www.youtube.com/watch?v=ltazqaPRME4 

قالت الكاتبة الهندية أرندهاتي روي: لا يوجد من هم لا صوت لهم، بل يوجد من هم مجبرين على الصمت، والذين يفضّل و يتعمّد المجتمع عدم سماعهم"

 

نجحت المجتمعات الماسوجينية عبر العصور في إجبار المرأة على اخماد غضبها، نجحت بأقناع المرأة أنه يجب عليها ألاّ تغضب، أن الغضب يشوّه أنوثتها، أن المرأة يجب أن تكون لطيفة وهادئة وصامتة، وألاّ ترفع صوتها، وألاّ تعبر عن سخطها، وألاّ تكون كما يقال هذه الأيام "دراما كوين"، وألاّ تضخّم الأمور. استمرّت الأسرة بتعليم الفتاة أن الفتاة الصالحة هي التي لا تختلف بالرأي عن رأي والديها، هي التي لا تعبر عن رأيها لأن رأيها يجب أن يكون مطابق لرأي والديها، أن لا تتكلّم بحدّة، أن لا تعترض، هي التي لا ترادد إذا قيل لها افعلي ذلك وامتنعي عن ذاك، بل تقول حاضر وتنفّذ ما يُطلب منها بصمت. يقال لها أن الامرأة الصامتة هي الامرأة المثالية. وفي المجتمع الكويتي عندما يبحث الذكر عن زوجة يقول لأمه أن تبحث له عن فتاة "هادئة"، أي صامتة. يريدها صامتة لا تحتج إذا ما أساء معاملتها، صامته لا تعترض إذا عاد إلى البيت الساعة الثالثة فجراً، صامتة إذا قرر أنه مل منها ومن أولاده وأنه يحتاج إجازة منهم فيسافر مع أصحابه، صامته إذا عنّفها، صامته إذا صرخ عليها، صامتة إذا تنمّر عليها أو سخر منها، صامته إذا أخذ من مالها ولم يرده إليها، صامتة إذا قرر الزواج عليها.

يتم أدلجة الفتاة في البيت ومن قبل الأسرة على الإخراس إذا عبّرت عن غضبها لأن والديها يحرمونها من أبسط حقوقها مثل الرغبة في إكمال دراستها، أو إذا احتجت على منحهم أخاها حريات وامتيازات أكثر منها، يقولون لها: "أسلوبك خطأ لو أنك تتحاورين بعقل ومن دون غضب لاستمعنا إليكِ لكن مادمت منفعلة وتصرخين فأنتِ مخطئة ولن نسمعكِ ولن نرد عليكِ"، فيرمون اللوم عليها بدلاً من حل المشكلة التي هم سببها، يقولون لها ألاّ تغضب وتصرخ بينما والدها وأخاها يصرخان كما يشاءان ووالدتها أيضاً تصرخ عليها. يُقال للفتاة التي تصرخ "أنتِ لا تستحين" ليعلموها الخجل والخزي من غضبها. ويستخدم الذكر العنف والتخويف والتهديد لإخراس المرأة. في البيت الذي تربيت به، إذا عبّرت والدتي عن رأي لا يعجب والدي صرخ عليها بحدّة "اسكتي أنتِ، أنتِ لا تفهمين ولا تعرفين شيء"، وكبرتُ وأنا أسمع من والدتي عبارة "اسكتي لا يسمعكِ والدكِ فيقتلكِ"، عندما كنتُ أحتج لماذا علينا نحن الفتيات تحضير الطعام وتحضير السفرة في الزيارات الأسرية الأسبوعية بينما الذكور جالسون يرتشفون الشاي ويتفلسفون في السياسة، ثم ننتظرهم يأكلون وبعدها نحن النساء نأكل، بعد أن صارت السفرة مبعثرة، والطعام متناثر، وشكله مقزز يثير الغثيان، قيل لي "اسكتي"، وعندما اعترضت على إدخال والدي أخي الوحيد مدرسة خاصة باهظة الثمن بينما تم إدخالنا نحن الفتيات الخمسة مدارس عامة مجانية قيل لي "اخرسي". من الطبيعي أن تسمع الفتاة عندما تدلي برأي لا يعجب أهلها هذا الرد: "اششششش" أو في اللهجة الكويتية "أوصص سكتي" أو "جب ولا كلمة" أي اخرسي، وهو أسلوب حاط جداً في الإسكات، لكن هذا الرد لا يقال للابن الذكر مهما بلغت حماقة ما يتفوّه به.

هذه الأدلجة تؤدي إلى اسكات واخراس المرأة، ليس فقط عندما تغضب، بل بشكل عام. في دراسة تم إجراءها في الولايات المتحدة وجدوا أن عدد أكبر من الطالبات الإناث يتم اسكاتهن إذا تحدثن من دون إذن في الفصل من قبل المعلمة أو المعلم، بينما لا يتم أسكات الطلبة الذكور إذا تحدثوا من دون إذن. وبعد سن معين غالباً الثانية عشر، ينحدر عدد الإناث اللاتي يشاركن في الفصل ويرتفع عدد الذكور الذين يتحدثون، و يشاركون، ويدلون بآراءهم بالفصل لأنه تم اعطائهم الثقة بأن آراءهم ذات قيمة حتى لو أدلو بها من دون إذن المعلم.

كما وجدت ذات الدراسة أن معظم الأطباء الذكور يقاطعون مرضاهم النساء مشيراً أن كلام المرأة المريضة حتى لو كانت تحاول التعبير لطبيبها عن مخاوفها أو ما تظن أنها تعاني منه أقل أهمية للطبيب الذكر. وأن الطبيبة المرأة يتم مقاطعتها أكثر من الطبيب الذكر، سواء كانوا مرضاها إناث أو ذكور، مشيرأً أن كلام المرأة لا يؤخذ على محمل الجد حتى لو كانت طبيبة أعلم وأفهم في مجالها الطبي. الدراستان مذكورتان في كتاب

Rage Becomes Her: The Power of Women’s Anger

للكاتبة الأمريكية من أصل هايتي "سورايا كيمالي"

 يتم الإسكات والإخراس بصور كثيرة، قد يكون بالعنف اللفظي: اسكتي، اصمتي، أو اخرسي. في عام 2015 عندما قابلت الإعلامية اللبنانية ريما كركي رجل الدين هاني السباعي قال لها "اسكتي لأتكلم" ثم تبعها بِ "اسكتي، اسكتي أنا لا يشرفني أن أتحدث معكِ أنتِ امرأة"

في عام 2014 قال نائب البرلمان الكويتي حمد الهرشاني للنائبة صفاء الهاشم "اسكتي أنتِ لستِ محترمة، ثم تبعها بِ "اكلي تبن" أي "اخرسي".

وتتعرّض المرأة للإخراس في "السوشال ميديا"، عندما تعبر المرأة عن رأي لا يعجب الذكور فينهالون عليها بالشتائم والتحقير، والتنمّر، ويهددونها بالاغتصاب أو القتل. إذا كانت المرأة في "السوشال ميديا" تعرض صورتها الشخصية، فمباشرة يبدأ الذكر بوصفها بالقبح كوسيلة لإخراسها، كما أنه غالباً يتم تشبيه النساء النسويات بالقبح، لأن بالنسبة للذكر هناك فقط نوعان من النساء: الجميلة التي تثير غرائزه وبالتالي تستحق اهتمامه، والقبيحة التي لا تثير غرائزه وبالتالي يفضل لها إما أن تختفي تماماً أو أن تصمت وتعيش فقط لتعظيمه والتطبيل لآرائه. ويظن الذكر أنه إذا عاير المرأة بالقبح فستتحطم، وتنهار وتتألم وسيؤدي ذلك لفقدها لثقتها بنفسها وبرأيها وستسكت من شدّة الشعور بالعار لأنه وصفها بالقبح. فلا شيء يكرهه الذكر العربي المسلم أكثر من المرأة الواثقة من ذاتها، فالواثقة من ذاتها ومن آراءها لن تعظم كل ما يتفوّه به الذكر بل ستجادله وتغالطه إن كان مخطئي، ولا شيء يهين الذكر العربي المسلم أكثر من قول المرأة له "أنت مخطئ."

عندما كنت أعبر عن آرائي النسوية وآرائي السياسية المعارضة في تويتر تم تشبيهي بالكلب، واتهامي بالمرض النفسي، الجنون، العهر، وبتزوير شهادتي العلمية، أحدهم كتب هذا التعليق على أحدى تسجيلاتي النسوية على يوتيوب "إذا كان زوجك يكرهم و يتبرّز في فمك لذلك صرتِ معقدة وتتفوهين بهذه الحماقات النسوية فهذه مشكلتك، اخرسي"، وهناك ما هو أبشع أفضّل عدم ذكره. لما تحدثت عن انتشار جرائم قتل الشرف في الكويت أرسل لي الذكور عبر الخاص تهديد بالإغتصاب والقتل، وتهديد باغتصاب وقتل ابنتي، فالذكر يستخدم التخويف والتهديد والتحقير والشتم لإخراس المرأة. وإذا فشل في تخويفها استخدم أسلوب التسفيه: "اسكتي أنتِ تافهة، أنت غبية، أنت مجنونة، أنت مريضة، أنت معقدّة، لا أحد يهتم لما تقولين". هذه هي طريقته في اخراس المرأة وإعادتها لظلام الصمت والسكوت حيث لا صوت ولا رأي لها.

كانت الكثير من النساء يرسلن لي عبر الخاص في تويتر "أودّ أن أكتب عماّ أتعرَض لها من عنف لفظي أو جسدي في البيت من قبل الأب أو الأخ أو الزوج، لكنني أخشى من أن يكتشف والدي، أخي، زوجي هويتي وأتعرّض لما هو أشد من الضرب."

المضحك المبكي بالنسبة للمرأة العربية المسلمة أن الذكر الذي يفترض عليه حمايتها هو مصدر خوفها و رهبتها، الأب، الأخ، الزوج يحرمونها من حريتها، يعيقون حركتها بتغطيتها، ويمنعونها من الخروج والاستقلالية بحجّة أنهم يحمونها من تحرّش الذكر خارج البيت، لكن هم السبب في رعبها، الذكر التي تخشاه المرأة العربية المسلمة ليس الغريب خارج البيت، بل المعنّف داخل البيت الذي يهددها بحرمانها من التعليم، والعمل، والاستقلالية، ويهددها بالضرب والقتل كل يوم.

التكذيب هو وسيلة أخرى لإخراس المرأة، إذا قالت أنها تتعرّض للعنف في البيت اتهمت بالكذب والمبالغة، في الكويت إذا ذهبت للتبليغ عمّا تتعرّض له من عنف في المخفر قيل لها أن تعفو وتسامح لأن تعريض الأب أو الأخ أو الزوج للمسائلة القانونية ليس من مصلحتها كامرأة. عندما كنت محامية في الكويت أجريت بحث عن القضايا الجنسية، قال لي أحد وكلاء النيابة عن قضية أدين فيها أب كويتي اغتصب خادمتة الفلبينية، بعد أن اشتكت الخادمة للسفارة الفلبينية، واشتكت الزوجة للنيابة عن جريمة زوجها قال لها وكيل النيابة من الأفضل لها ولأبنائها ألا تستمر بإيصال القضية للمحكمة لأن ذلك سيسيء لسمعة أبناءها خصوصاً البنات، فالخادمة الفلبينية تم تعويضها مادياً وعادت لبلدها. سعدت لما علمت أن الزوجة استمرت بالإجراءات القانونية وتم محاكمة الزوج وسجنه. تخيلي أن يقول لكِ المجتمع اصمتي لتحافظي على سمعة ابناءك بينما يغتصب زوجك الخادمة الضعيفة في بيتك بالغرفة المجاورة لغرفتك أو بالقرب من غرفة أطفاله. ترا لماذا لم يفكر هذا المجرم بسمعة زوجته وأطفاله وهو يغتصب الخادمة؟ الخادمة الأجنبية الضعيفة التي كانت تحت حماته ومسؤوليته.

يتم اسكات المرأة بالتكذيب، إذا قالت المرأة أنها تعرضت للتحرش اتهمت بالكذب والمبالغة، وإذا قالت أنها تعاني من الإكتئاب قيل لها أنها تكذب وتتدلع وتبحث عن "الأتنشن" أي شد انتباه من حولها. يتم تكذيب الفتاة بكثرة وبشدّة وباستمرار لغالبية حياتها، لدرجة أنها تصل لمرحلة أنها هي ذاتها لا تثق بما تشعر به، تتعرّض لموقف يشعرها بالحزن وبالإهانة، فتتسائل في نفسها هل يحق لي أن أشعر بالإهانة؟ أم أنني أضخم الأمور كما يقولون لي دائماً. تشعر باكتئاب حاد يؤثر على صحتها وحياتها وعملها وتربيتها لأطفالها وعلاقاتها بمن حولها، قد يقودها حتى إلى تفكيرها بالإنتحار فتكذب ذاتها "هل أنا فعلاً أعاني لهذا الحد؟ لا لا يحق لي أن أشعر بالإكتئاب" وتكرر على نفسها الأسباب التي قيلت لها منذ كانت صغيرة "ولماذا تكتئبين؟ ألا نصرف عليكِ؟ ألم نوفر لكٍ مسكن وطعام لماذا لا تشكريننا يا ناكرة الجميل" بالرغم أنها تعلم أن الإكتئاب لا شأن له بالفقر ولا المسكن أو المأكل بل هو "عدم اتزان" كيميائي يحصل في المخ قد يصيب أي أحد فقير أو غني، كبير أو صغير، رجل وامرأة، ولابد من معالجتة.

يتم اسكات المرأة عن طريق اشعارها بالخزي أو العار، قالت لي صديقة أنها لن تحاول أن تتحدث مع زوجها مرّة أخرى عن الجنس، بعدما حاولت أن تتحاور معه عمّا ترغب به في الفراش، فقال لها بحدة "أنتِ لا تستحين، لا تخجلين."، أخرى تقول أن الطبيب النفسي الذي ذهبت له ليستمع إليها أشعرها بالخزي بعد أن اشتكت من معاملة والدتها فقال لها "كيف تشتكين من والدتك، وهي التي ربتكِ واهتمّت بك." أخريات يقلن أنهن إذا حاولن التحدث مع الأم والأب أو الزوج عمن معاملتهم الفظة معهن، يردون عليهن بغضب "لا تتفلسفين" و "أنتِ لايعجبكِ العجب" و "لا نعرف ماذا تريدين، اكفينا شر تفاهاتكِ." و"تحبين تعقيد كل شيء، احمدي ربك أننا نربيكِ ونهتم بك"

يتم اسكات المرأة لحماية غرور وعنجهية الرجل، عندما كنت أتحدث مع مجموعة من طالباتي في جامعة الكويت عن مواضيع نسوية قالت لي أكثر من واحدة أنهن إذا ناقشن آباءهن أو اخوتهن الذكور وفزن بالنقاش يغضب الأخ والأب ويصرخ ولا يتحدث معهن لعدّة أيام، وأمهاتهن ينصحنهن "إذا قال لك أباكِ أو أخاكِ أي شيء حتى لو كان خطأ قولي نعم، صح واسكتي."

عندما تتعرض المرأة لموقف في البيت، أو في الشارع، أو في العمل، كتعليق جارح من أسرتها، أو كلام فظ من زوجها، أو تنمر من قبل حماتها، أو تحرّش في الشارع، أو ملاحظة حاطة من زميل، أو زميلة، أو مدير في العمل وغضبت بسبب الإهانة، وصمتت لأنه تم ترويضها على الصمت، نجدها تسترجع الموقف ألف مرّة "لماذا لم أرد؟"، "ليتني قلت شيء"، "ليتني لم أسكت"، تفكّر وتفكّر في الموقف لأيام، حتى تنهار تماماً. المرأة عندما تغضب ولا تستطيع أن تصرخ لأنه تم أدلجتها على الصمت، تبكي، فالغضب طاقة سلبية جامحة يجب أن تخرج من الجسد، سنوات من القهر، والقمع، والتحكم، والتسفيه، والتحقير في المجتمع الذكوري تخرج على شكل دموع، وإذا لم تخرج هذه الطاقة السامة من جسدها ستظهر على شكل إرهاق شديد، وتعب نفسي وجسدي، واستياء، واكتئاب، وقد يتطور ليظهر على شكل سرطانات خبيثة وأمراض.

لو سألنا المرأة العربية "لماذا أنتِ غاضبة؟"، لن تقول "لأن المجتمع الذكوري يقمعني ويضطهدني"، لكنها ستقول أنها متعبة، متعبة ومنهكة من كثرة ما تتحمله ولا تستطيع البوح به، تود لو تصرخ، تود لو تركض، تود لو تهرب لكنها لا تستطيع.

ولعلّ أفضل طريقة لإسكات المرأة وأكثرها فعالية هو استخدام الذكر للدين. الدين الإسلامي كما هو الحال في المسيحية واليهودية، يحرم المرأة من الأدوار السلطوية العامة، لا يحق للمرأة أن تكون امرأة دين أو شيخة دين، لا يحق لها أن تمارس القضاء، أو رئاسة دولة حيث تتخذ قرارات جوهرية مؤثرة في المجتمع. بالرغم أن بعض المذاهب المسيحية تطورت الآن وسمحت للمرأة أن تكون راهبة في الكنيسة، ورئيسة دولة، والتسامح والترحيب بالمثليين والعابرين جنسياً في الكنسية. هذه الأدوار السلطوية تتطلب الكلام والصراخ والمرأة ممنوعة من الكلام أو الصراخ في الإسلام، وينظر لها نظرة دونية إذا عبّرت عن رأيها في مكان عام وبحدّة وتلقّب بأم لسان طويل، يحتقرها الذكر العربي المسلم ويعلم أبناءه الإناث والذكور على احتقارها. والإسكات هنا جوهري للذكر المسلم، لأن ذكوريته مبنية بالكامل على التحكم بالمرأة، فإذا كانت المرأة تملك سلطة دينية أو سياسية وتمتعت بالإستقلالية عن الذكر فلن يستطيع الذكر التحكم بها.

التحكم باستخدام الدين يكون عن طريق اجبار المرأة على التغطية بالحجاب والنقاب والعباءة والخمار للحد من حريتها وحركتها، يقنعها الذكر بالتغطية باقناعها أن هذه أوامر الله ولا يجوز المجادلة فيها، أية رقم 30 من سورة النور تقول "وليضربن بِخُمُرهن على جيوبهن، ولا يبدين زينتهن" أي على المرأة أن لا تبدي زينتها وجمالها كي لا تثير غرائز الذكر فيتحرش بها ويغتصبها، طيب لماذا لا يتم تربية الذكر على احترام المرأة وعدم التحرّش بها، بدلاً من تغطية المرأة بالسواد؟ لماذا تتغطى المرأة والذكر حر يتحرّش كما يشاء، ونحن نعلم أن المتغطية تتعرض لذات التحرّش الذي تتعرّض له السافرة. يريد الدين أن يظهر الذكر أنه شرس وغير قادر على كبح جماح شهوات نفسه وأنه سينقض على المرأة لمجرد انها لا تغطي شعرها، فيجبر المرأة على التغطية ويعطي الذكر الحق في فعل ما يشاء. عنما كنت أتحاور مع طالباتي في الكويت عن هذا الموضوع غضبت احداهن وقالت: "لا، نحن لا نلبس الحجاب لأن أباءنا وأخواننا يجبروننا بل لأن الله أمرنا بذلك." سألتها "ولماذا يأمركِ الله بالتغطية؟"، فقالت "لأنه من مصلحتها، وأنه حرام أن نناقش أوامر الله، بل ننفذ أوامره فقط من دون أن نسأل لماذا"، لا يوجد استبداد أسواء من أن يقال للفرد "أنا أحد من حريتك لمصلحتك، ويجب ألا تجادلني في استبدادي عليك"، لكن هذا هو الاستبداد الذي يمارسه الإسلام على المرأة. كلام الطالبة ليس دقيق لأن غالبية الفتيات في المجتمع الكويتي يجبرن على التغطية، أي أنهن سيتعرضن للعنف إذا امتنعن عن التغطية أو إذا خلعن الحجاب. لكن من الصعب أن تقولي للمرأة التي تشرّبت كل هذه الماسوجينة منذ الصغر أنها مضطهدة وأن أهلها الذين ألزموها بالحجاب هم في الحقيقة يقمعونها وأن دينها قامع، من الصعب ذلك لأنها تحب أسرتها، فكيف لمن قاموا بتربيتها واهتموا بها أن يقمعوها، هذا تناقض لا يقبله عقلها، كما أن والدها لطيف معها، فكيف لها أن تقارنه بصورة ذلك الماسوجيني القامع المضطهد القاسي. لذلك تلقب الماسوجينية الدينية بالماسوجينية اللطيفة المتناقضة، هي ماسوجينية تظهر بوجه مبتسم، تبدو ظاهرياً بأنها تهدف لحماية المرأة، لكن في الواقع تم تصميمها لتقييد المرأة وسلبها حريتها، هي ليست ماسوجينية فظّة رعنة تصرخ "كل النساء غبيات، عاهرات، ولابد من حبسهن بالمنازل" بل تستخدم الابتسامة والكلام الطيّب في تقييد المرأة، فيقول الأب بحنان "نحن نريدك أن تتحجبي من أجل مصلحتك" و "نحن لا نريدك أن تسافري لدراسة الماجستير كي لا تتعرضي لشيء يضرّك و يؤذيكِ"، و"الأمومة هي أعظم مهنة للمرأة، أنت لستِ مضطرة للعمل خارج البيت" و "لا، لا تحتاجين الاستقلالية المادية نحن سنصرف عليكِ"، و "أنتِ ملكة والملكة لا تقود سيارة"، و "أنتِ درّة والدرّة يجب إخفاءها حتى لا تُسرق"، تقال هذه العبارات المقيّدة بحب و رقّة وبابتسامة، فكيف لهذه الامرأة التي يشعرها والدها، أخاها، أو زوجها أنها شيء مميز وثمين أن تتهمهم بالماسوجينية وبالقمع والاضطهاد؟ لا تستطيع.

قلتُ للطالبة التي دافعت عن الحجاب وأنه من مصلحتها: "هل فعلاً تظنين أنكِ إذا أظهرت شعرك سيفقد الذكر عقله ويغتصبكِ، ولماذا لا تسألين نفسكِ: لماذا الذكر المسلم شرس لهذه الدرجة؟ لماذا لا يحترم المرأة ويدعها وشأنها سواء لبست قطعة قماش على رأسها أو لم تلبس، لماذا لا يتم تعليمه بألا يتحرّش بدلاً من تحميلكِ أنت مسؤولية غرائزه الجنسية التي يدعي أنه لا يستطيع التحكم بها؟" قالت "أنه في الغرب المرأة تظهر جسدها والرجل يستبيحها كما يشاء، وأن الذكر الغربي الوجه الآخر لذات العملة، العربي المسلم يجبر المرأة على التغطية والغربي يجبر المرأة على التعرّي"، هذه هي الكذبة التي يكررها الذكر على مسمع المرأة العربية المسلمة منذ أن كانت طفلة سواء الأب، أو الأخ، أو الزوج، أو رجل الدين. ما لا تريد المرأة المسلمة التي رضيت بالقمع سماعه هو أن هناك فرق شاسع بين اظهار الشعر وإظهار الجسد، وأنه يجب أن يتم تأديب الذكر على عدم التعرّض للمرأة الغير محجبة وليس إجبار المرأة على التغطية، وحتى لو المرأة تعرّت بالكامل فلا يحق للذكر التعرّض لها، فالعربي المسلم الشرس يصبح محترم جداً عندما يذهب للغرب ويرى النساء عاريات على الشاطئ، وأن الرجل الغربي لا يجبر المرأة على التعري، لن نسمع أبداً عن رجل غربي ضرب ابنته، أو أخته، أو زوجته لأنها رفضت لبس البكيني، لكننا نسمع وسنسمع دائماً عن امرأة مسلمة تتعرّض للعنف من قبل الأب، أو الأخ، أو الزوج إذا خلعت الحجاب أو النقاب أو العباءة.

بالنسبة لمن تقول أنه لم يتم اجبارها على لبس الحجاب بل هي اختارت لبسه. تعالي لندقق في الإجبار، الإجبار ليس فقط "إذا لم تتحجبي سنقتلكِ" لا، هناك صور عديدة للإجبار لا تتعلق بالعنف اللفظي أو الجسدي. كلنا تم تعليمنا منذ السادسة من العمر في المدرسة، في فصل التربية الإسلامية أن الفتاة الصالحة هي المحتشمة، وفي كتبنا الدينية صورة لفتاة مسلمة محجبة، قيل لنا أن الفتاة الصالحة تنفذ أوامر الله فتدخل الجنة، أما الفتاة العاصية فتعذب بجهنم، بل يعذّب ولي أمرها الذي كان يفترض أن ينصحها و يوجهها للطريق السليم، أتظنين أن ذلك لن يؤثر في عقل فتاة صغيرة تبلغ الست أو العشر سنوات أو سن المراهقة؟ بالتأكيد تريد أن تقي نفسها من عذاب النار وتقي والدها من عذاب النار. بل أنا تم تعليمي بالمدرسة أن المرأة الغير محجبة يتم تعليقها من شعرها فوق نار جهنم حتى تصل إليها ألسنة النار وتلتهمها، وتم تعليمي أن الغير محجبة تتعلق من عنق أبيها، وتتدلى قدماها فوق نار جهنم وتظل معلّقة بعنق والدها يحاول انقاذها من دون جدوى، حتى يسقط كلاهما في النار ويحترقان معاً. بغض النظر عن صحة الدرس أو عدم صحته، وضع هذه الصورة المرعبة، المخيفة، الرهيبة في ذهن فتاة صغيرة من شأنه أن يشعرها بالذنب والخوف ويؤدي إلى ارتداءها الحجاب الذي لا ترغب فيه، ثم تقول أنه من اختيارها ولم يجبرها أحد. في بعض المجتمعات كالمجتمع الكويتي يتم عمل حفلة واهداء الفتاة هدايا إذا تحجبت، ألا تظنين أن الاحتفال، والهدايا، والتبريكات وترديد عبارة "تبدين أجمل بالحجاب" لن تؤثر على قرار طفلة صغيرة بالحجاب. أتظنين أن الفتاة الصغيرة التي تحب والدها ووالدتها وتسمعهم يقولون "أفضل شيء للمرأة الحجاب" لن تسارع بالتحجب للحصول على قبولهم وترى فخرهم بها في عيونهم؟ أتظنين أنها إذا سمعت الأب والأم والأخ يصفون احدى الفتيات بالساقطة لأنها سافرة، لن تسارع ابنتهم بالتحجب لكي تنتمي لمجموعة النساء الصالحات ولا يتم وصفها بالساقطة كما سمعت أهلها يصفون تلك المرأة باحتقار؟ بل أن لبس النساء في أسرتها للحجاب يدفعها لتقليدهن، فالإنسان بطبيعته يتصرّف كما يتصرّف أفراد أسرته وقبيلته ليحصل على القبول والشعور بالإنتماء، ويتحاشى أن يكون مختلفاً وشاذاً عنهم. الإجبار ليس فقط باستخدام العنف، الإجبار يأخذ أشكال كثيرة، ويتغذى على سيكولوجية الفتاة التي تفرح عندما يرضى عنها أهلها.    

المرأة التي استسلمت لتلك القناعة بأن الدين الذي يحرمها من حريتها هو الأفضل وأنها كامرأة محجبة أفضل وأعلى عند المجتمع وعند الله من المرأة السافرة، وأنها هي في الجنة والبقيّة في النار، غالباً ما تغضب وتثور إذا استمعت لحجج مقنعة أن الإسلام يقمعها والحجاب ليس إلاَ صورة أخرى من صور التحكم والقمع التي يمارسها الذكر عليها. طبعاً ستغضب، أنا أيضاً غضبت عندما كنت محجبة وسمعت أحدهم تقول كلام مقنع بأن الحجاب مجرّد بدعة ابتدعها الذكر للتحكم بالمرأة، كيف لا أغضب وقد نفذت ما أمرني الله به، وحرمت نفسي من الحرية، وتلفلفت بهذه الخرقة التي كانت تخنقني وتعيق حركة رأسي، ولبست الملابس التي تصل لأصابع قدمي وتعيق حركتي في جو الكويت الحارق حتى يقال عنّي أنني صالحة وسأكافأ بالجنة، والآن تقولون لي أنني مغبونة، وقد ضحك عليّ الذكر لأنه في الحقيقة لا يريد حمايتي بل التحكم فيني فقط، وأنني مضطهدة ومقموعة!

المرأة التي تغضب بعد وصول عقلها للحقيقة لا تستطيع توجيه غضبها على الذكر خوفاً من عنفه، ولا تستطيع تسليط غضبها على الدين، لذلك تصبّه على النساء الأخريات، تحقّر اللاتي خلعن الحجاب، تتنمر على اللاتي يمارسن حريتهن، تسخر، وتسفّه، وتحقّر المرأة التي تعيش كما تريد، أي أنها تمارس الماسوجينية على غيرها من النساء، وأحياناً تصب هذه المرأة غضبها على أطفالها أو الخادمة لأنهم ضعفاء وتحت سلطتها ولأنها لا تستطيع أن تصرخ على الزوج، الأب، أو الأخ خوفاً من عنفهم. وهذه الظاهرة بإفراغ الغضب على من هم أضعف نراها في الذكر أيضاً، عندما يتعرَض للإضطهاد من ذكر آخر لديه سلطة عليه  كوالده، أو مديره في العمل، أو من قبل شرطي في الشارع، يعود للبيت ليفرّغ غضبه على من هم أضعف منه، الزوجة والأطفال، فعندما يجد نفسه مضطهداً ومقموعاً ممن لا يستطيع تعنيفهم لأنهم أقوى منه ولديهم سلطة عليه، يعنّف من هم أضعف منه وتحت سلطته. فالماسوجينية مرض اجتماعي فوقي طبقي، الحاكم (أو الحكومة) تقمع الرجل، والرجل يقمع المرأة، والمرأة تقمع أطفالها خصوصاً الإناث، وبين الأخوة، الأخ الذكر يقمع أخته.








17 Jan 2021

الجسد، الجنس، الزواج

  

يمكن الإستماع لهذه المقالة هنا: 

https://www.youtube.com/watch?v=cPd62KC1Fh8&t=59s

من الأشياء الجميلة في ولاية "أوهايو" التي أعيش فيها، هي الغابات الشاسعة الكثيفة. كل جمعة أذهب أنا و ابنتي للمشي مع مجموعة من الأصدقاء في الغابة، تعرّفت على هذه المجموعة من الأصدقاء عبر برنامج "غوغل ميتس"، "غوغل ميتس" برنامج يساعد الأفراد على إيجاد آخرين يهوون ذات الهواية التي يحبها، إذا كنتِ تحبين الرسم أو الحياكة ستجدين مجموعة قريبة منك تجتمع اسبوعياً للرسم أو الحياكة، إذا كنت تتعلمين لغة جديدة أو العزف على آلة موسيقية وجدتِ مجموعة تجتمع اسبوعياً لتمارس اللغة أو تتدرب على الموسيقى وهكذا

عندما وجدت هذه المجموعة على "غوغول ميتس" لم أكن أعرفهم بشكل جيد، ولكن بمرور الوقت تعرفنا على بعضنا أكثر، كل أفراد المجموعة في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من العمر، ابهروني بلياقتهم بالرغم من تقدمهم بالسن، يذهبون للمشي لأميال عديدة كل أسبوع، وأحياناً يقودون دراجاتهم في المناطق الريفية والجبلية. المشي يوم الجمعة نمارسه طوال السنة حتى لو كان الجو ماطر أو مثلج. في الصيف تلبس النساء "الشورت" والقميص من دون أكمام، و أرى مدى راحتهن بهذا اللباس، أرى مدى الثقة التي يشعرن بها وهنّ يبدين اجسادهن بحرية و راحة تامّة من دون الخوف من نظرة الرجل. هؤلاء النساء لو كانوا في المجتمعات العربية المسلمة الساحقة للمرأة لتم تغطيتهن في سن صغير وتم تلقينهن أن أجسادهن عار، و خزي، و عيب، وحرام. لتم تلقينهن أن يشعرن بالخزي من اجسادهن بسن مبكر. ولأنهن كبيرات في السن، لو كن في الأوطان العربية لتم التنمّر عليهن ومعايرتهن بالتالي: "لماذا تلبسين مثل هذا اللباس وأنتِ عجوز؟ ألا تخجلين، قدمك في القبر وتلبسين الشورت"  و "هل تظنين نفسكِ فتاة شابة يا عجوز النار"  و "أنتِ عجوز وتبدين جسدك للرجال؟ من سينظر إليكِ أيتها العجوز" و "عذاب جهنم ينتظرك" وغيره من اللوم و التنمّر والتسفيه والتحقير

كنت أراقب وأنا أمشي مع المجموعة نظرات الرجال للنساء، ولم أرى أي منهم يتمعن بالنظر لأجساد النساء، لم أر أي منهم يختلس النظر لمنطقة الصدر أو المؤخرة، كما كنت أرى في ((بلاد الإسلام)) كيف أن الرجل الذي يقال عنه ((مسلم، متديّن، محترم)) يركز ويبحلق  بالنظر على هاتان المنطقتان و يستمر بالبحلقة، حتى لو كانت المرأة تلبس لباس محتشم، ولا يستحي و لا يهمّه إن كانت المرأة التي يبحلق بها ترد له النظرة كي يخجل ويزيح عيناه عنها، بل يستمر بالبحلقة بكل وقاحة.

لماذا لا يبحلق الرجل الغربي في جسد المرأة؟ السبب هو الدين، الدين يستمر في التحريض على الجنس، الدين الذي يحرّم الجنس خارج الزواج، ويصر على أن الجنس هو مصدر كل شر، وأنه محرّم، وعيب، وعار هو في الواقع يجعل الجنس مغرياً أكثر في تحريمه، وبإصرار الدين على تغطية المرأة و اقناعها أن جسدها يغري الرجل وأن الرجل كالوحش لا يستطيع كباح رغباته الجنسية، يشجّع الدين الذكر المسلم أن يكون فعلاً كالوحش الذي لا يستطيع كبح شهوته أمام جسد المرأة. بتحريم الجنس، يصبح الجنس الشغل الشاغل للفرد في المجتمعات المتدينة، لا يستطيعون التفكير أو التركيز على أي شيء آخر غير الجنس، تماماً كالحرمان من الطعام بسبب الصوم أو بسبب الحمية الغذائية، بمجرد أن يحرم الفرد ذاته من الأكل حتى يصبح غير قادر على التركيز على أي شيء آخر غير الأكل. بينما عندما يكون الفرد حر، يأكل ما يشاء متى ما يشاء، ويكون الطعام متوفر، لن يفكر بالأكل بشهوة أو برغبة شديدة، سيأكل فقط عندما يجوع، لأن عامل الحرمان اختفى. يستمر الدين بجعل الجنس الشغل الشاغل للفرد باستمراره بجعل الجنس "تابوه"، بتحريم الإختلاط بين الجنسين، وبتحريم جسد المرأة، وتغطيته تحت كومة من الأغطية السوداء، وتحذير الرجل من النظر للمرأة، وأن عليه أن يتحاشى المرأة، والتحذير من اللقاء بين الجنسين، والتحذير من الصداقة بين الجنسين، يستمر الدين بصب الوقود على نار الجنس وجعل الجنس مغري، ومثير، ومشوّق. بينما في المجتمعات التي ابتعدت عن الدين، المجتمعات المنفتحة التي يصادق فيها الرجل المرأة ويرى الرجل فيها جسد المرأة تتبخّر فكرة الجنس. كما لو كان الأكل دائماً متوفر وليس هناك من هو مضطر لحرمان ذاته من الأكل.

بعد عدّة لقاءات مع المجموعة التي أمشي معها عرفت أن "فيكي" التي دائماً تأتي بصحبة "مايك" غير متزوجة من "مايك" لكنهم مرتبطين ببعضهم البعض، و كذلك "كلير" و "ديفد" أيضاً غير متزوجان وتربطهم علاقة مليئة بالحب والاهتمام، "فيكي" و "كلير" لستا صغيرتان في السن، "فيكي" معلمة تاريخ متقاعدة، و "كلير" ممرضة متقاعدة، وبعد زواجهما الأول الذي انتهى بالطلاق، و بعد تربيتهن لأبناءهن و ذهاب أبنائهن لبدء حياتهم، والانشغال بوظائفهم، "فيكي" و "كلير" بدأن أيضاً حياتهن من جديد، "فيكي" تعيش في بيتها الخاص و "مايك" صديقها يعيش أيضاً في بيته الخاص، و مع ذلك يحب كل منهم الآخر، بينهم أشياء مشتركة، يخرجون مع بعض، وفي ذات الوقت لكل منهما حياته الخاصة، لكل منهما خصوصيته، وبيته واستقلاليته، فارتباط الرجل بالمرأة لا يجب أن يكون في كل يوم و كل ساعة، والمرأة ليست مضطرة للعب دور واحد فقط في حياة الذكر وهو أن تكون زوجته، تعد طعامه، وتنظف بيته، وتهتم بأبنائه، بل يمكن أن يكون لكل منهما هواياته التي قد لا يحبها الآخر، فيفترقان ليوم أو يومان ثم يعودان للقاء مرة أخرى.

 للمرأة حياة بعد أن تتقدم في السن، حياتها لا تنتهي ببلوغ سن الأربعين، أو الخمسين، أو الستين، أو حتى السبعين، لها أن تعيش، وتسافر، وتمارس هواياتها، وتكوّن صداقات، والقيام بكل الأشياء التي كانت ترغب بعملها عندما كانت مشغولة بوظيفتها وبتربية ابناءها الصغار. "فيكي" تحب أن تحكي لي عن ابنها الذي يعمل في مدينة "سانفرانسيسكو"، وابنتها التي تعمل في دينة "بوستن"، تسافر إليهم أحيانا و أحياناً يزورانها، تفتخر بهم، لأنهم ناجحون ويشغلون وظائف مطابقة لطموحاتهم، ومع ذلك أبناءها ليسوا محور حياتها، لا تفكر بهم في كل ساعة من كل يوم، لديها نشاطاتها، وأصدقائها، تتطوّع في المؤسسات الخيرية، تمارس الرياضة، وتخرج للعشاء، و تحب العزف على آلة الكمان التي بدأت بتعلمها مؤخراً، وتحب القراءة، وتمارس اليوغا، وتحب السباحة ، ولا يقال لها: "اذهبي يا عجوز و اجلسي على سجادتك وفكري بعذاب القبر"، لا يقال لها: "و من سيرغب بكِ أنت أيتها العجوز"، لا يقال لها: "ماذا يعني تريدين أن تعيشين حياتك؟ أي حياة؟ حياتك هم أبناءك، ومن بعد أبناءك أحفادك، اهتمي بهم حتى تنتهي حياتك."

المرأة في المجتمعات العربية لا تعيش لذاتها تعيش من أجل الآخرين، بمجرد بلوغها سن الإدراك يقال لها أن البنت الصالحة هي التي تساعد والديها في البيت، تتعلم التضحية بنفسها لإرضاء الأسرة، تهتم بأخوتها لإرضاء الأسرة، تدرس تخصص لا ترغب به لإرضاء الأسرة، تعمل في مكان تكرهه لإرضاء الأسرة، تتزوج ممن لا تعرف، وممن لا تحب لإرضاء الأسرة، تنجب لإرضاء الأسرة، حتى بعد أن يكبروا ابناءها، يستمرون بالاعتماد عليها بدلاً من الاستقلالية، تهتم بأبناء أبناءها، ومن يتطلق أو يترمل من أبناءها يعود ليعيش في بيتها، مسؤوليتها لا تنتهي، حتى يوم مماتها تستمر بالتربية و بالطبخ و التنظيف والقلق و التضحية للأبناء والأحفاد.

لننظر لزواج المرأة في المجتمعات العربية المسلمة نرى أنه مبني على الإجبار، الزواج هو قدر المرأة الوحيد، منذ طفولتها تسمع الناس يقولون لأمها "انشا لله تشوفين ابنتك عروس" أو "تفرحين فيها عروس"، لا يقال: "انشا الله تحقق كل طموحاتها أو أحلامها" لا يقال ذلك لأن طموحها الوحيد يجب أن يكون الزواج.

في الكثير من الأحيان لا تدري الفتاة ما إذا كانت حتى ترغب بالزواج، كل ما تعرفه أنه يجب عليها أن تتزوج، لا يوجد خيار آخر غير الزواج. حتى يتبرمج في ذهنها أنها إذا لم تتزوج فسيكون ذلك نوع من الإخفاق نوع من الفشل في الحياة، وأن عدم زواجها يعني العيش في بؤس وحزن، ويقودها ذلك أحياناً لترضى بأي فرصة وبأي رجل مهما كانت عيوبه، حتى يصل الأمر أن ترضى برجل متزوج، ترضى بذل الزوجة ثانية، على أن لا يقال عنها "عانس". يتم برمجة الفتاة أن الزواج هو السعادة الوحيدة في الحياة حتى تبدأ بتصديق ذلك، بالرغم أنها ترى كل المتزوجين من حولها تعساء ويعيشون حياة مليئة بالمشاكل التي لا تنتهي.

بالتأكيد أن هناك الكثير من النساء اللاتي يرغبن بالزواج وتكوين أسرة، ولكن في المجتمعات العربية إذا قالت المرأة أنها لا ترغب بالزواج أو أنها لا ترغب في الإنجاب، لأن عاطفة الأمومة لديها ليست قوية كبقية النساء، يقال عنها "معقدة" أو "غير طبيعية". ويقال لها أنها ستندم إن لم تتزوّج، لأن الزواج والإنجاب هم سعادة المرأة الوحيدة في الحياة. مهما كانت المرأة عاقلة، ناضجة، مثقفة، ومدركة، لا يصدقها المجتمع إن أبدت رغبتها بالامتناع عن الزواج أو الإنجاب، وكأن المرأة طفلة سفيهة، غير قادرة على اتخاذ قرار مصيري يمسها هي ولا يمس أحد سواها، ففي المجتمعات العربية المسلمة التي تدعي أنها ((كرّمت المرأة)) ينظر للمرأة دائماً على أنها قاصر، جاهلة، لا تملك الوعي، أو الدراية الكافية لتتخذ قراراتها بنفسها، هي طفلة حمقاء حتى لو بلغت الأربعين، ويجب التحكم فيها واجبارها من قبل الأسرة والمجتمع على ما لا تريد، المجتمع والأسرة هم من يحدد لها مصلحتها وليست هي من تحدد ذلك. والغريب أن هذا المجتمع العربي المسلم الماسوجيني الذي يعامل المرأة على أنها غبية ولا تعرف مصلحتها، ولا تميّز بين الصح والخطأ هو ذات المجتمع الذي يقول للمرأة أن مسؤوليتها الأولى هي تربية الأجيال واعدادهم للمستقبل، كيف تكون المرأة سفيهة ولا تعرف مصلحتها وفي ذات الوقت مسؤولة عن تربية وإعداد أجيال المستقبل، كيف لا تملك الفطرة والحكمة الكافية لتحديد ما هو بمصلحتها، ولكنها بالفطرة تعرف ما هو في مصلحة الأطفال الذين ستربيهم.

ويحصل في هذه المجتمعات الحاطة للمرأة نوع من المنافسة وكأن هناك سباق على الزواج، فكل فتاة تريد أن تسبق الأخرى وكأن الزوج جائزة، أو كأن اللاتي تزوجن حققن نوع من "البريستيج" و يجب على التي لم تتزوج بعد أن تسارع  في تحقيق هذا "البريستيج" الذي هو ليس إلاّ وهم.  تتعمد هذه المجتمعات العربية على خلق هذا النوع من التنافس بإيهام المرأة بأن هناك عدد قليل جداّ من الرجال الصالحون، وهذا العدد القليل من الرجال لديهم شروط كثيرة لمن سيختارونها كزوجة، يجب أن تكون صغيرة في السن، يجب أن تكون متدينة، أن تكون "طاهرة" أي لم يسبق لها معرفة رجل، تبالغ بإظهار الدين، تبالغ بالخجل، تبالغ بالخوف، محتشمة ومتغطية. وأن هناك آلاف من النساء اللاتي يتمنون الزواج من هؤلاء الرجال و تتكرر مقولة "ألف من تتمناه" وعندما يكون العرض أقل من الطلب، أي عندما يتم إيهام النساء أن هناك عدد قليل من الرجال الصالحون، وعدد كبير من النساء اللاتي ينتظرن هؤلاء الرجال للتقدم لخطبتهن، و أن فترة الزواج للمرأة محدودة ومقصورة فقط في سن العشرينيات، يحصل تنافس كبير لدى النساء في من ستحصل على زوج، و يُخلق وهم جديد لدى المرأة أنها يجب أن تسارع و ترضى بأول شخص يتقدم لها وأن تتغاضى عن عيوبه، ولا تكثر بالطلبات، لأنها قد لا تحصل على فرصة أخرى، ولأنه بسهوله سيتخلى عنها ويعقد قرانه على أخرى، وتظن المرأة أنها فازت، حتى تبدأ الحياة الحقيقية بعد الزواج وتكتشف مدى زيف الذكر الذي رضيت به كزوج.

يتم إيهام المرأة أن يوم الزفاف أروع وأعظم يوم في حياتها من قبل التجار الجشعون الذين يعتاشون على بيع حلم زائف للمرأة، هؤلاء التجار يريدون المرأة أن تشتري فستان باهظ الثمن، وبوكيه ورد غالي الثمن، ووضع مكياج، وعمل تسريحة، وحجز صالة، وتجهيز بوفيه بعشرات الآلاف من الدنانير، فحفلات الزواج هي الخدعة التي لا يمل التجار من استغلالها لتحقيق أرباحهم، يقومون بذلك عن طريق اقناع المرأة أن يوم زفافها يوم مميز، ليلة العمر، اليوم الوحيد في حياتها الذي تحدد هي كل ما تريده، كل شيء في حفل زفافها هو على حسب طلبها ورغبتها وذوقها. حتى تكتشف المرأة بعد ذلك أنها صرفت كل هذه الأموال ليس لها بل للناس، وليس على حسب ذوقها بل حسب ذوق الناس، لتظهر أنها تنتمي لطبقة مترفة لإثارة اعجاب الناس، حجز صالة الزفاف لإثارة اعجاب الناس، الفستان الغالي لإبهار الناس، البوفيه الفاخر والورد، والزينة كله من أجل الناس. عاشت حياتها بأكملها لإرضاء الناس.









10 Jan 2021