24 Jan 2013

بعض الأجزاء




هيا جوري! خذي هذا الكيس وضعي فيه كل ألعابكِ التي لم تعد تستهويكِ, وأيضاً تلك التي لم تعد صالحة تماماً لكي أرميها. كل هذه الأغراض والألعاب تتكدس في غرفتكِ و أنتِ لا تلعبين بها.. تأخذ كل مساحة الغرفة ولا فائدة منها

"حسناً ماما"

ملأت الكيس بالألعاب التي قد سئِمت اللعب فيها وتلك التي تنقصها بعض الأجزاء بالرغم أنها لازالت مسلّية. وأخذتُ أنا الكيس ووضعتهُ خارج باب الشقة تهيأة لرميه في القمامة متى ما نزلت. كان الكيس مفتوحاً ممتلئاً ويظهر ما فيه بسبب إمتلائه.

جاءت السيدة الآسيوية التي تساعدني في تنظيف الشقة أسبوعياً, و بعد إنتهائها من عملها سألتني:

"إن كنتِ لا تريدين الألعاب في ذاك الكيس الذي في الخارج فسآخذها أنا"

قلتُ لها تفضلي على الرغم أن بعضها غير صالح و تنقصه بعض الأجزاء,  فقالت أن هذا لا يهم أبداً.

تصورت أن لها طفلة أو إبنة أخ أو أخت.. لم أشأ أن أسألها لعلي أحرجها بالسؤال.. أو أضايقها.. خصوصاً أنها هادئة جداً و متحفظة.

فقط فرِحت أن الألعاب ستجد لها بيتاً جديداً و طفلة تأنس بها بدلاً من الرمي في القمامة.


ذهبت للمستشفى حيث أزور الأطفال المرضى في كل يوم أربعاء لألعب معهم و أقرأ لهم القصص.
أذهب في العاشرة  حيث يكونون الأطفال  قد إنتهوا من تناول الفطور وأخذوا دوائهم و تم الكشف عليهم من قِبل الأطباء وتمت متابعة حالاتهم و تدوين الملاحظات من تحسّن أو من عدمه.

أطرقُ باب كل غرفة و بصوتٍ سعيد مبالغ فيه : "صباح الخير.. آسفة عالإزعاج.. هل تأتي \ تأتين للعب معي في غرفة الأطفال في جناح 8؟ سننفخ البالونات ونحكي حكايات ونرسم و نُلوّن؟"

تصفعني وجوه الأطفال المرهقة الذابلة الغير مكترثة بنبرة صوتي المتصنعة. أجسادهم النحيلة قد أتعبتها كثرة  الأدوية و قلّة النوم بسبب الألم . وبسبب الشوق لكل ماهو طبيعي في حياة طفل صغير, طبيعية الذهاب للمدرسة و   طبيعية النوم في فراشه الخاص محاطاً بوالديه وأخوته, طبيعية الإستيقاظ صباحاً في منزله الذي إعتاد عليه بدلاً من غرفة صغيرة ضيقة خانقة لا يفصله عن السرير الآخر سوى ستارة رقيقة بالية و طبيعية أن يتمكن من تحريك يده بحرية ومن دون ألم, لا أن تكون يده ملفوفة بالقطن والشّاش بعد نزع المغذي أو ذراعة ملتصقة بأجهزة أو وجهه 
مغطى بالكمام .. ينظرون إلي الأطفال بعين فارغة بائسة لا شعور فيها, لا يردّون و لا يتفوهون بكلمة 

إن كانت الأم موجودة مع الطفل ترد بصوت خافت وقد أرهقها السهر والنوم بجانب طفلها في سريره الضيق:  "سنأتي بعد قليل.. شكراً لكِ
 أو تنظر الأم لطفلها وتقول: "هيا.. من الأفضل أن تتحرك من الفراش وتفعل شيء مسلي بدلاً من الإستلقاء هكذا طوال اليوم 

 دخلت إحدى الغرف وإذا بخادمة آسيوية الجنسية مستلقية بجانب طفلة مصابة "بمتلازمة الداون" والطفلة متعلقة بالخادمة إلى حد غريب.. وكأنها أمها

إبتسمت و حاولت إفهام الخادمة التي إستيقظت و جلست لتسمع ما أريد.. و الطفلة ترمي بذراعيها حول رقبة الخادمة وداً وحباً و شقاوةً وطلباً للحنان.

قلت لها أن تأتي بالصغيرة لكي تتسلى. فنظرت الخادمة للصغير و قالت بلهجة كويتية سيئة:
"يلا حور, أنروح؟ أنروح؟ إلعب في ألعاب و تفّاخيّة؟"

وحور بأطرافها الناعمة تلتصق أكثر و أكثر بالخادمة.. خوفاً أن أُبعدها عنها.. تكاد لا تطيق أن تبعد ذراعيها عن الخادمة و كأن الخادمة بالنسبة لحور الهواء أو الماء.

سألت الخادمة مالذي تعاني منه حور, فقالت أنها مصابة بالربو و إلتهاب في الرئة و أنها بالمستشفى منذ ثلاثة أيام و أنها تتعافى الآن..

جاءت الخادمة و معها حور إلى غرفة الألعاب و ظلت حور متعلقة بالخادمه طوال الوقت. حاولتُ مراوغتها و أن أجذبها إلي, فنفخت لها بالونة كبيرة حمراء لتلفت إنتباهها, فالأحمر دائماً يلفت نظر الأطفال و يجذبهم و قلت لها "تعالي يا حور لنرسم وجهاً سعيداً على البالونة"

حثتها الخادمة : "روحي يلا روحي" (بلهجة كويتية سيئة)

تشجّعَت حور قليلاً و كانت بشوشة و لطيفة و شعرها جميل منسدل على وجهها اللطيف

جاءت و جلست بقربي و لم تقوى أصابعها بالمسك بقلم التلوين لما يعانيه مرضى "الداون سيندروم" من هوان شديد بالعضلات 

فشددت على يدها الصغيرة و أخذت أحركها : هااااكذااا نرسم عينان و هااااكذاااا نرسم إبتسامة عريضة.. أنظري يا حور البلّونة تبتسم!

فرحت حور و بدأت تقترب مني أكثر و أشارت أن أنفخ لها بالونة أخرى و أن نرسم عليها معاً من جديد..

و بينما أنا مشغولة باللعب مع حور , قاطعتني الخادمة وهي تمسك بالهاتف النقال بيدها و تمده نحوي:

"ماما! ميخالف إنتَ يكلّم ماما؟"

لم أفهم! فقلت: أكلم من؟ والدة حور على الهاتف؟

أشارت لي برأسها "نعم"

أخذت السماعة و كان صوت المرأة  ثقيل و متعَب وكأنها للتو استتيقظت من النوم

بادرت هي: ألو.. عفواً منو إنتي؟

إسمي فاطمة آتي للعب مع الأطفال في المستشفى, لا تخافي على حور فهي هنا معي و نحن نلعب و هي سعيدة..

صمتت برهة ثم قالت مستفهمة بصوت غير مكترث بتاتاً

شنو؟ حور في المستشفى؟

لم أعرف ماذا أقول.. سكت برهة ثم أكدت : نعم حور بالمستشفى

 أوكي.. مشكورة حبيبتي  (وأغلقت الخط)!

ظل الهاتف معلقاً على أُذني بعد أن أغلقت أم حور الخط وكأنني أنتظر شيئاً أن يحصل! أن تقول لي أم حور غير ذلك الكلام.. أو أن تسألني غير ذلك السؤال.. كأنني أنتظرها أن تغيّر نبرتها وأن تسألني بشيء من خوف: لماذا حور في المستشفى؟ أو أن تسأل بشيء من الإهتمام: في أي مستشفى ترقد حور؟ أو أن تصيح بشيء من الهلع: أي جناح؟ أي طابق؟

لكن لم أسمع أي من تلك الأسئلة.. فقط صوت ال "طوط ..طوط.." المتقطعة السريعة

أعدت الهاتف مرة أخرى للخادمة و سألتها إن كانت المرأة التي تحدثت معها والدة حور؟ فأجابت : "إيي ماما.. هاذي حور ماما"

 لم أستفق بعد من الصدمة , لكن حور - التي كانت تجلس في حضني -  تحاول التخلص من ذراعي التي تحيط بها بأصابعها الرقيقة الناعمة, لتسرع  نحو الخادمة و ترمي بنفسها في حضنها و تخبئ وجهها  في عنق الخادمة  كما يفعل الطفل تماما عندما يهرب لأمه لتحميه من شخص يُصِرّ على مداعبته بخشونة أو الجري خلفه و إخافته ..

وأخذت الخادمة تُقبِل حور و تضُمها بدفء و حنان ..






17 Jan 2013




عندما كانت تحبه كانت تقصيه بعد كل خلاف ولو كان تافهاً, كانت توصد عنه كل أبوابها,
تهجره, تبعده, تلغيه من الهاتف وشبكات التواصل لأنه كان يتجذّر في قلبها و روحها و فكرها,
كانت تحتاج أن تشعره بأنه غريب, تحتاج أن تنتقم من حبها له بتعذيب نفسها التي تحيا بصوته و وجهه.
أما اليوم فهي لم تعد تحبه وبعد وداعهما الأخير لم تقصيه و لم تبعده ولم تتعب نفسها في إلغاءه , فليتصل أو لا يتصل إن شاء,
 فليظهر أو لا يظهر وجهه على شبكات التواصل, فهو عن روحها غريب.


I've switched you on and off
 to my heart's desire.
I have gone further than that, I left you switched on
days on end, you
not knowing when my touch will light you up again.
Then I came in hast and arrogance, pressing impatiently hard,
a flashing message lit up
Easy access""


أخذنا السعادة من جيوبنا و خبأناها  تحت صخور البحر و فوق أعالي الجبال وبعثرناها في الرياح العاتية.. فقط لكي نقول أننا قضينا العمر بحثاً عنها..


How does your loneliness suit you?

You may say "you need your space"
You may say "you're a traveler"
You may say "solitude feeds you more"
But I know, as well as you do
 that
when you made your loneliness to measure
you didn't include a zip or a button
 and now you're its prisoner.


منذ تعلمنا من الغراب الدّفن و نحن نقوم بدفن كل شيء نظنّه قد مات
لازالت الجاهلية القبيحة منغرسة فينا.. نوئد حباً حديث الولادة ثم نبكيه



She grinned piteously when a rusty bent nail she pulled out of her wall
fell into the drain, making the same "blob" her wedding band did; thrown into the sewer..
Both refusing to nudge at first, both leaving a white mark she knows will disappear.



أنجبنا أطفالاً عندما فُجِعنا بالحقيقة: لن نملك حبّ أحدهم أبداً.

خلقنا أناساً جدد ليحبوننا, ليبكوننا إذا متنا
لنشعر أن وجودنا كان ذو معنى




5 Jan 2013


Before  قبل أن


Before you write on the walls of love
Before you etch your exhausted sentiments
Strip it from your lust
Then strip it from your need
Then from your petty desire to possess
then see, if there's still a layer sturdy enough to etch

قبل أن تنحت كلمات حب فارغة مستهلكة على جدارك
جرّده أولاً من الرغبة
ثم من الحاجة
ثم من حب التملك
ثم أنظر إن بقيَ جدار يُنحت عليه




محاولات عقيمة في وصف الإفتقاد...

   ...Futile attempt to treat longing


Our longing becomes our shadow
the darker us
it is ours and yet we yearn to lose it
our unflattering reflection


الإفتقاد يصير كالظلال
فراغٌ أسود
ملكنا ولا نرغب به
يشبهنا ولا يشبهنا
نتمنى أن لا يتبعنا



Longing is
A cup they drank from
A pen they have touched

الإفتقاد
هو فنجان ارتشفوا منه
أو قلم لامسوه



Longing is
the paradox of carrying the highest possible point of empathy
 then falling from point zero of all compassion
at once

الإفتقاد هو تضاد النفس المستمر في تجسيد الأحاسيس و تصوير العاطفة
و في ذات اللحظة نحن في أعلى مستويات الإنعدام والاتفاعل والبلادة




Longing is the pressing hard of a correction pen
to white out their words
then watching them ghostly reappear
haunting
underneath cracked white fluid

الإفتقاد هو الدّعس بشدة على المُبيّض لتغطية الكلمات
ليظهرشبحها من جديد.. من أسفل البياض



when describing longing there's always a better word
that won't come.

في وصف الإفتقاد هناك دائماً وصف أفضل..لكنه يأبى.






   

2 Jan 2013

هي منّي



"تستطيعين قضاء ليلةٍ عند والِدُكِ إن شئتِ فأنتِ كبرتِ الآن و أصبح عمركِ سبع سنوات وأعتقدُ بأنكِ مستعدة"

إبتسمت إبتسامة يرهقها قلق الإختيار

"حسناً أريد أن أقضي الليلة عند بابا"

حضّرت حقيبتها وذهبت وهي تشعر بأنها كبُرت, بأنها تستطيع الإبتعاد. الإبتعاد عن أول لغة (دقات قلب) كانت تصغي إليها  في أحشائي, أوّل دفء يدين, أوّل حضن, أوّل قُبلة, أوّل شعور بالإنتماء, أوّل كلمة, أوّل خطوة, أوّل سقطة من الدراجة حين رَكَضتُ إليها وضممتها وقبّلت ركبتها الدامية وقلت لها بأنه يجب عليها أن تسقط و تتألم كثيراً قبل أن تتقن ركوب الدراجة.

ذَهَبَت, وقبل تمام الساعة التاسعة ليلاً يرن الهاتف وصوتها يرتجف بالبكاء

"ماما, أريد العودة إليكِ"

تعود وترمي بجسمها الصغير المرتعش في حضني وتجهش بالبكاء وكأنها نادمة على خطأ ما.

قبل سبع سنوات نزعوها من أحشائي, روح تُنزع من روح.. لا تريد أن تَحمِلها الطبيبة لتَزِنها, لا تريد أن تحملها الممرضة, لا تريد أن يتأكد الطبيب من سلامة عظامها وسمعها و بصرها.. فقط تبكي

تعيدها الطبيبة التي يأست من المحاولة إليَ, لكنها لا تريدني أن أحملها ولا تريد أن ترضع. أفتح القميص وأضعها على صدري العاري, جلدها يلامس جلدي, فتهدأ و تنام طوال الليل, تريد فقط الإستماع لتلك الدقات التي إعتادت على سماعها عندما كانت جزءاً مني, لحماً من لحمي, دماً من دمي, قطعة من روحي..


أتذكرُ صوته الغاضب المتذمر دائماً:  "مهما فعلت فهي تحبكِ أكثر مني"








جناح  7 و 8 و 9 أطفال


هنا أصابع صغيرة ملفوفة بقطن طبي و شاش ولاصق
و أذرع ضئيلة لحمها طري مثقوب عشرات المرات بوخز الأبر
و عيون رطبة
و وجوه مرسومة بالرصاص الباهت


هنا أطفال لا يضحكون, لا يركضون لا يفرحون
عروقهم مربوطة بمطاطيات المغذي
أفواههم  مغلقة بكمام الأكسجين
قلوبهم نبضها سعير


هنا ستار يفصل فراش عن فراش
هنا تنقلب مفردات الخصوصية
تضم أم رضيعها ذو الأسابيع
الملتصق بالأجهزة
نظراتها شاخصة
رجاءها يرتطم بزوايا الجدار


هنا يعقمون كل شيء
الأغطية و الأرض و الحقن
ثم يجردون الإنسان من إسمه و لونه و أصله و جنسه
و يسمونة "حالة"


هنا بعض "الحالات" لا تستجيب للدواء
لا تستجيب للعلاج
هنا جسد لا يريد إكمال الحياة
يسحبون منه مصطلح "حالة" و يعيدون إليه  "إنسان"


هنا الأطفال كبار
أحدهم يلهو بالألوان ثم يرميها و يقول
عليَ أن آخذ حقنة السكري
و آخر يعلن أن عليه الذهاب لغسل كلته
هنا الطفل يتعلم كيف يلوّن الحياة


هنا المكان الذي يجب أن يزوره كل جاحد
عندما تخرج من باب "هنا"
تعرف كيف أن للصحة تاج




1 Jan 2013



Trials.... محاولات





Phantom Limb

I have amputated you like a diseased dead limb
Why can't I still sleep in the middle of the bed?



شبح الطرف المبتور*


قد مضى على بترك أعوام
ولا أزال لا أنام في وسط الفراش.


*مرض شبح الطرف المبتور: حالة مرضية, يُبتر عضو من أعضاء الجسد كالذراع أو القدم لكن المريض يظل يشعر بوجود العضو المبتور و أحياناً يشعر بألم أو حكة في العضو المبتور وذلك لأن العقل لم يتقبل فقدانه.




Solitude


There is in this solitude a stability no union offers
there’s an honesty in this loneliness
a warmth that enters me gently like the seeping
heat of my morning coffee..


الوِحدة

هذه الوِحدة جميلة .. لا تخبئ وراءها ألماً
لا تفاجئنا بفراق أو أنين



  
Laughing

Laughing hysterically, a sudden bleak memory quiets us.
It is our laughter's failed attempt to surpass our sorrows..


أحياناً

أحياناً نضحك بشدة وفجأة توقفنا ذكرى مؤلمة
حاول ضحكنا أن يفوق ألمنا الشاهق ففشل




Some

Some left us with vaster damage than others
Some left us with an irritated throat; when we
chose not to express their pettiness.      


بلعوم

هناك من تركونا بجرح يشفى و هناك من تركونا بجرح لا يشفى
 وهناك من تركونا بحرقة غريبة في البلعوم لا مرهم لها
لم نقل لهم كم هم مقززون



Show me

Show me a deprivation vaster than mine
so that I may appreciate my blessings


حرمان

لن نقنع بما نملك
حتى نرى كم هو شاسع حرمان الآخرين




Broken

The only ones drawn to her are the broken ones
compared to her
they feel whole (er)



سوى

لا ينجذب لها سوى المكسورون
حطامها يمنحهم بعض الإكتمال